درس نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة – مادة التاريخ – الثانية باكالوريا آداب

نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة

تمهيد إشكالي:

تميزت العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر الثمانينيات بالمواجهة بين معسكرين متناحرين، هما المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشرقي بزعامة الإتحاد السوفياتي، وذلك في إطار ما عُرف بنظام القطبية الثنائية، واختلفت حدة المواجهة بين المعسكرين بين التوتر والانفراج.

  • فما هو السياق التاريخي لبروز نظام القطبية الثنائية؟
  • وما هي أسباب ومظاهر وأزمات الحرب الباردة الأولى؟
  • وماذا عن مرحلة التعايش السلمي والحرب الباردة الثانية؟

I – السياق التاريخي (الظروف التاريخية) لبروز نظام القطبية الثنائية:

1 – الأوضاع الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وبوادر نظام القطبية الثنائية:

أدى تراجع نفوذ القوى الأوربية الاستعمارية التقليدية الممثلة في بريطانيا وفرنسا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى تصاعد نفوذ قوتين جديدتين متعارضتين من حيث النظام السياسي والاقتصادي، رغم تحالفهما المؤقت خلال الحرب العالمية الثانية ضد النازية والأنظمة الديكتاتورية وهما الاتحاد السوفييتي الشيوعي والداعم للمد الشيوعي في العالم، والولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية والتي تسعى إلى محاولة إيقاف المد الشيوعي، وتجلى هذا التوجه نحو الثنائية في التقسيم الرباعي لألمانيا بعد تحريرها من النازية إلى مناطق نفوذ الاتحاد السوفييتي الذي سيطر على القسم الشرقي، بينما اقتسمت الدول الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا) القسم الغربي فيما بينها، كما قسمت مدينة برلين بنفس الطريقة.

2 – المد الشيوعي السوفياتي في أوربا الشرقية:

تجلت الانعكاسات السياسية للصراع بين المعسكرين في مساندة الاتحاد السوفياتي للأحزاب الشيوعية في دول أوربا الشرقية التي ساهم في تحريرها من الاحتلال النازي للوصول إلى السلطة، ولإقامة أنظمة اشتراكية فيها على غرار النظام السوفياتي، وأمام تصاعد المد الشيوعي في أوربا جاءت ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في هذا المد وسيلة للسيطرة على الشعوب وإقرار نظام اشتراكي بها.

3 – رد الفعل الأمريكي من خلال مشروع مارشال:

كان رد الفعل الأمريكي على المد الشيوعي في أوربا والعالم ظهور مذهب ترومان، أو ما يسمى ب “سياسة محاصرة الشيوعية”، وتدخل في هذا الإطار المساعدات المالية والاقتصادية الضخمة التي قُدمت للدول المتضررة من الحرب من خلال مشروع مارشال سنة 1947م، وقد اعتبر أندريه جدانوف (Andrei Zhdanov) مستشار الرئيس السوفياتي ستالين أن مشروع مارشال يؤدي حتما إلى حدوث تغيرات على سياسة البلد الذي سيلقى هذا الدعم، وبالتالي فرض الامبريالية الأمريكية على العالم، لذلك دعا إلى مواجهة المشروع الأمريكي والصمود في وجه كل المخططات التوسعية الأمريكية، فصارع إلى إنشاء مكتب الإعلام الشيوعي المسمى ب “الكوميفورم” لتعبئة الأحزاب الشيوعية ضد المشروع الأمريكي.

II – مظاهر الحرب الباردة الأولى وبعض أزماتها (1947 – 1953م):

1 – مفهوم الحرب الباردة ومظاهرها العسكرية والاقتصادية:

الحرب الباردة: هي حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث عمل كل طرف على نشر مبادئه بمختلف الطرق مع تفادي الاصطدام العسكري المباشر في منتصف الأربعينيات وحتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ومن أهم مظاهرها:

  • الخلافات السياسية: خلافات ناتجة عن الخلاف الإيديولوجي بين المعسكرين، ورغبة كل منهما في بسط نفوذهما في مناطق مختلفة من العالم، والتي ظهرت رغبة الاتحاد السوفياتي لبسط نفوذه في دول البلقان، وكذا تقديم الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات خيالية للدول الأوربية لإعادة بناء اقتصادها، وذلك في إطار مشروع مارشال لكسبها إلى جانبها وحمايتها من المد الشيوعي.
  • القطيعة الاقتصادية: تطورت الخلافات السياسية إلى قطيعة اقتصادية بين المعسكرين، حيث أنشأت الكتلة الغربية السوق الأوربية المشتركة، في حين أنشأت الكتلة الشرقية الكوميكون.
  • تكوين أحلاف عسكرية: اتجهت الكتلة الرأسمالية إلى تكوين أحلاف عسكرية موجهة ضد الاتحاد السوفياتي وحلفائه، أبرزها “حلف شمال الأطلسي”، مما أدى إلى إنشاء الاتحاد السوفياتي مع دول الكتلة الاشتراكية “حلف وارسو”.
  • التسابق نحو التسلح: اتجه المعسكرين إلى التسابق نحو التسلح، حيث تمكن الطرفان من تطوير الصواريخ العابرة للقارات، ومن صنع القنابل النووية والهيدروجينية، فنشأ عن ذلك ما يسمى ب “نظام توازن الرعب” القائم على تفادي الطرفان الدخول في مواجهة مباشرة خوفا من أن يؤدي استعمال أسلحة الدمار الشامل إلى إفنائها.

2 – تخللت الحرب الباردة الأولى بعض الأزمات:

ظهر تأثير توازن الرعب بصفة جلية على العلاقات بين العظميين في أزمة برلين الأولى، وفي الحرب الكورية:

  • أزمة برلين الأولى 1949م: تم تقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى أربع مناطق نفوذ، وعلى اثر اتفاق الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا على توحيد المناطق الألمانية الوقعة تحت مراقبتها بما في ذلك برلين الغربية، بالمقابل قرر الاتحاد السوفياتي إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى برلين الغربية، وفرض بذلك حصارا عليها، وكادت هذه الأزمة أن تتحول إلى مواجهة بين العظميين لولا قرار الاتحاد السوفياتي في ماي 1949م رفع الحصار على برلين الغربية، وأعقب ذلك تقسيم ألمانيا بما في ذلك برلين وجمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) التابعة للحلفاء الرأسماليين، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) التابعة للإتحاد السوفياتي.
  • الحرب الكورية 1950م – 1953م: تم تقسيم كوريا على اثر الاحتلال المزدوج الأمريكي السوفياتي لأراضيها إلى شطرين سنة 1945م، كوريا الشمالية يدعمها الاتحاد السوفياتي وكوريا الجنوبية تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، واندلعت الأزمة بسبب الحرب الأهلية بين الكوريتين عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، وتوسع نطاق الحرب بعد ذلك عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين أطرافا في الصراع، إذ تدخلت الولايات المتحدة لمساندة كوريا الجنوبية وتدخلت الصين لمساندة كوريا الشمالية، وبعد مشاورات طويلة تم التوقيع على هدنة سلام في يوليوز 1953م، مما شكل بادرة نحو الانفراج الوضع الدولي، وبداية مرحلة جديدة تسمى “التعايش السلمي”.

III – العلاقات الدولية من التعايش السلمي إلى الحرب الباردة الثانية:

1 – دخلت العلاقات الدولية مرحلة التعايش السلمي من بداية الستينيات وإلى غاية 1979م:

بعد وفاة ستالين برز التعايش السلمي باعتباره رؤيا جديدة للعلاقات الدولية تنبني على تفادي أسباب التوتر المفضي للمواجهة العسكرية بين الدول خوفا من نتائج الحرب الساخنة بين المعسكرين، وساعد على ذلك أكثر وصول قيادات سياسية للحكم “نيكيتا خروتشوف” (Khrushchev) بالاتحاد السوفييتي، والرئيس “أيزنهاور” (Eisenhower) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن العوامل التي أدت إلى نهج سياسة التعايش السلمي:

  • الخوف المتبادل من الحرب مع التطور النوعي في تكنولوجيا الأسلحة.
  • بروز قيادات سياسية مالية للحوار والانفراج في العلاقات الدولية سواء من الجانب السوفياتي أو من الجانب الأمريكي.
  • دور الأمم المتحدة في تكريس قيم السلام والتعاون الدولي، ونبذ الحروب وتشجيع الحلول الدبلوماسية للنزاعات في العالم.
  • اقتناع العظميين بأن التسابق نحو التسلح ليس في صالح الطرفين، وأنه من المفيد الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التطور والتقدم عوض الدخول في الحرب.

وقد اتخذ التعايش السلمي عدة مظاهر، منها:

  • اللقاءات المكثفة بين العظميين لمعالجة بعض القضايا والخلافات الدولية، مثل: وضعية ألمانيا والنمسا، والأمن الأوربي، والعلاقات بين الشرق والغرب، وقضايا نزع السلاح …
  • دعوة القيادة السوفياتية إلى التعايش السلمي في عهد خروتشوف.
  • ظهور موقف مماثل من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي دعت إلى وقف الحملة المارتكية ضد الموظفين المتعاملين مع الأحزاب الشيوعية.

لكن هذا التقارب بين العظميين لم يمنع قيام أزمات حادة أظهرت حدود التعايش السلمي بينهما، وتجلى ذلك بالخصوص في أزمة برلين الثانية، والأزمة الكوبية، والحرب الفيتنامية:

  • أزمة برلين الثانية: اندلعت هذه الأزمة ابتداء من سنة 1955م بعد أن فشلت الكتلتان في التوصل إلى حل لمشكلة تقسيم ألمانيا إلى أربعة مناطق نفوذ، فالإتحاد السوفياتي حاول فرض الاعتراف القانوني بجمهورية ألمانيا الديمقراطية مع تحويل برلين إلى مدينة محايدة، بينما رفضت الأطراف الأخرى هذا الحل، وانتهت الأزمة ببناء جدار برلين من طرف سلطات ألمانيا الشرقية سنة 1961م.
  • الأزمة الكوبية: انفجرت هذه الأزمة سنة 1962م عندما اكتشفت طائرات الاستطلاع الأمريكية وجود قواعد سوفياتية لإطلاق الصواريخ بكوبا، فكان رد فعلها سريعا حيث حاصرت كوبا وهدد الرئيس الأمريكي كينيدي السوفيات بشن حرب شاملة، وانتهت الأزمة بسحب الصواريخ السوفياتية مقابل كف الولايات المتحدة عن تهديد النظام الاشتراكي بكوبا.
  • الحرب الفيتنامية: تواجهت الفيتنام الشمالية التي حظيت بدعم المعسكر الاشتراكي مع الفيتنام الجنوبية الموالية للمعسكر الغربي منذ سنة 1954م، ثم تدخلت الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر سنة 1965م، لكن التدخل الأمريكي انتهى بتوحيد قوات الشمال لشطري الفتنام سنة 1973م، وبعد أن اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية من الخروج من الحرب، مما أسمته ب “الوحل الفيتنامي” لعدة عوامل: اقتصادية، ودبلوماسية، ومعنوية، بعد أن كلفت الفيتناميين ما يقرب من ثلاثة ملايين من القتلى، وانتهت بتوحيد الفيتنام في دولة واحدة سنة 1975م.

ولم يكد العالم يتنفس الصعداء من حرب الفيتنام حتى عادت بؤر التوثر والمواجهة الغير مباشرة بين العظميين لتعم عدة مناطق من العالم الثالث إيذانا بنهاية التعايش السلمي وبداية الحرب الباردة الثانية.

2 – الحرب الباردة الثانية (1975- 1989م):

عادت العلاقات الدولية إلى التوتر من جديد بين القطبين الثنائيين، وذلك بعد أن امتد النفوذ السوفياتي إلى عدد كبير من بلدان العالم الثالث، حيث عمل على توسيع الروابط مع كل من ليبيا سنة 1975م، وأنغولا والموزمبيق سنة 1976م، كما تدخل في أفغانستان سنة 1979م، وبدأ الرد الأمريكي سنة 1977م بتزويد كل من مصر والصومال والسودان والتشاد بالأسلحة الدفاعية، إضافة إلى دعم كل الحركات المناهضة للأنظمة الاشتراكية بالعالم الثالث، وبالموازاة مع ذلك عززت كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي قدراتهما العسكرية، حيث  توصل الطرفان إلى تطوير الغواصات الحربية، والقنابل الذرية إبتداءا من سنة 1981م، كما شرعت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ برنامج الدفاع الإستراتيجي سنة 1989م وهو البرنامج المعروف بحرب النجوم.

خاتمة:

هكذا يتضح أن العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية تميزت بالتنافس بين الكتلتين الشرقية والغربية حول مناطق النفوذ وهددت العالم بحرب عالمية ثالثة عدة مرات، لكنها تميزت أيضا بتصاعد الحركات التحررية بالعالم الثالث المطالبة بالحرية والاستقلال.

رابط التحميل من موقع البستان

هل لديك تعليق؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *