II – تطبيقات الحقوق الواردة في حجة الوداع:
من خلال مضامين خطبة الوداع، يتبين أنها غنية جدا بمبادئ إقرار حقوق الإنسان، فهي أحاطت بجميع ضرورياته في الحياة، بدأ بحفظ دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله، عن طريق تحريم الاعتداء عليها، أو حتى الانتقاص منها، ومن أهم هذه الحقوق بصيغة أخرى معاصرة:
- حق الإنسان في الأمن على ماله ودمه وعرضه: لقد نهى النبي ﷺ أشد النهي عن كل اعتداء يمس أمن الإنسان على ماله ودمه وعرضه، فقد قال رسول الله ﷺ: «إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ».
- حق التملك ومنع الاستغلال: المال قوام الحياة، وينبغي أن يكون متداولا بين كل الناس، حتى لا تضطرب الحياة، ويظهر الحقد وتتولد الطبقية، ويدمر الاقتصاد، ولذلك حرمت الربا، قال رسول الله ﷺ: «أَلا وَإِنَّ كُلَّ رِبَا مَوْضُوعٌ .
- حق الاجتماع والأخوة والتعاون: قال ﷺ: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
- حق المرأة في التكليف والتشريف: النساء شقائق الرجال، ولأن المرأة مساوية للرجل تماما من حيث إنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وأنها مساوية له تماما في التشريف والتكريم، فقد ربط النبي عليه الصلاة والسلام حق المرأة بتقوى الله تعالى فيها ليجعل ضمان حقوقها مرتبطا بمخافة الله تعالى، سواء وجد نظام يضمن لها حقها أو لم يوجد، فالعبد مطالب على العموم بمراعاة حقوقها، قال رسول الله ﷺ: «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».
- حق المساواة في الأصل البشري والإنسانية الكاملة: ومن ذلك قوله ﷺ: «أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب».
III – تجليات مدى تعظيم الناس لحقوق الإنسان:
لقد تحدث الإسلام عن حقوق الإنسان، ووضع أسسها، وأرسى دعائمها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، ومن المؤسف حقا في هذا الصدد أننا لا نتحدث عن أمر من أمور الإسلام إلا من جهة الدفاع ورد الشبهات عنه، كأنما الإسلام في قفص الاتهام ونحن ندافع عنه ونثبت براءته، والواجب علينا أن نطبق تعاليمه في تعالمنا مع الآخر، فنعرض ديننا ومبادئه السمحة ومقاصده الباهرة بطريق المبادأة والمبادرة التي نملك من إمكاناتها الكثير، وإذا تأملنا خطبة الوداع التي بين أيدينا، وجدنا كل ما جاءت به المواثيق الدولية من نظريات وأفكارا موجودا في هذه الكلمات المعدودة، فلا يتصور قيام حضارة واستمرارها دون مراعاة الحقوق، لكن هل فقه المسلمون حقيقة هذه الخطبة وما اشتملت عليه من خير؟