تقديم إشكالي:
تشكل العولمة مرحلة من مراحل تطور الحضارة الرأسمالية، وتهدف إلى توحيد الثقافة والمؤسسات. وهي ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل مختلف ميادين الحياة المعاصرة، تقوم على آليات ويتحكم فيها مجموعة من الفاعلين.
- فما هو مفهوم العولمة؟
- وما الآليات الموظفة في تسييرها؟
- ومن هم الفاعلون فيها؟
- وما هي إيجابياتها وسلبياتها؟
І – مفهوم العولمة وأبعادها:
1 – مفهوم العولمة:
العولمة: هي تداخل كثيف في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بين مختلف دول العالم، وبالتالي سهولة حركة الأفراد والبضائع ورؤوس الأموال والخدمات والمعلومات، وتظهر سمات العولمة في مجموعة من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
2 – أبعاد العولمة:
يتخذ مفهوم العولمة عدة أبعاد:
- البعد الاقتصادي: سيادة النظام الرأسمالي، واندماج الأسواق والبورصات، وتزايد تيارات الرساميل على المستوى العالمي، وهيمنة التكتلات الاقتصادية العالمية.
- البعد الثقافي والفلسفي: سيادة ثقافة العالم المتقدم، وإشاعة الثقافة الرأسمالية، وبالتالي تلاشي الخصوصيات الحضارية المحلية، ناهيك عن عولمة القيم وإمكانية إنشاء حكومة عالمية.
- البعد التاريخي: مرحلة متقدمة من مراحل تطور الرأسمالية خاصة بعد نهاية القطبية الثنائية والاتجاه نحو إنشاء منظومة عالمية.
- البعد التكنولوجي: خلق منظومة تكنولوجية كبرى في مجال النقل والإنتاج والمواصلات وانصهار العالم فيها.
- البعد الجغرافي: تزايد الروابط بين الاقتصاد العالمي والاقتصاديات المحلية، وتكوين اقتصاد أرخبيلي.
II – الآليات الرئيسية للعولمة والقوى الفاعلة فيها:
1 – آليات العولمة (آليات اقتصادية وتقنية):
الآليات: هي الأسس المحركة لتطور مختلف أشكال العولمة:
1 – 1 – الأسس الاقتصادية:
تتضمن الأسس الاقتصادية:
- الأساس المالي: يتمثل في حرية الاستثمارات وتوجيه الإصلاحات الاقتصادية في الدول النامية من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
- الأساس الإنتاجي: يتجلى في نهج سياسة الخوصصة واعتماد أساليب السوق الحرة، مثل: المنافسة وحرية الشركات في المبادرة والاستثمار دون أي قيود من طرف الدولة.
- الأساس التجاري: حرصت منظمة التجارة العالمية على تقديم تسهيلات للمبادلات التجارية بإلغاء السياسة الحمائية ونظام التحكم في حصص الصادرات والواردات، ثم تبنت سياسة التسويق الحر في مجال المنتجات والأسعار.
1 – 2 – الأسس التقنية:
وتتجلى في ما يلي:
- ثورة وسائل المواصلات: شهدت وسائل المواصلات الجوية والبحرية والبرية تطورا هائلا بسبب الثورة التقنية، مما ساهم في تسهيل التنقل وتقصير المسافات لتداول السلع عبر العالم.
- ثورة وسائل الاتصال والتواصل: يعرف العالم تقدما غير مسبوق في قطاع الاتصال (البريد، الهاتف، الإنترنيت …)، مما جعل سكان العالم يتعايشون وكأنهم في قرية صغيرة، كما شهدت وسائل الإعلام تطورا كبيرا وتنوعا مهما في مجال الصحافة بمختلف أشكالها، مما جعل سكان العالم يتعايشون مع الأحداث العالمية.
2 – القوى الفاعلة في العولمة:
2 – 1 – الفاعل الاقتصادي:
من أبرز الفاعلين الاقتصاديين، نجد:
- الشركات متعددة الجنسيات: وذلك بالاتحاد فيما بينها لفرض قوانين مالية واقتصادية تخدم مصالحها في مجالات مختلفة (السوق، تداول العملات، الاستثمارات، ترويج السلع …).
- المدن العالمية: تعتبر أكثر اندماجا في السوق العالمية، وتحتضن مراكز الشركات متعددة الجنسيات والبورصات العالمية (بورصة طوكيو، بورصة لندن، بورصة نيويورك …).
- المستثمرون: وذلك بالبحث عن استثمارات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي في جميع ومختلف مناطق العالم.
2 – 2 – الفاعل المؤسساتي:
من أهم الفاعلين المؤسساتيين، نجد:
- القوى الاقتصادية العظمى: وضمنها الدول الثمانية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا وروسيا)، ومنتدى دافوس Davos (تجمع اقتصادي عالمي يعقد سنويا في مدينة دافوس السويسرية).
- صندوق النقد الدولي: مؤسسة مالية دولية تابعة لهيئة الأمم المتحدة، تقوم بمراقبة السياسات الاقتصادية والمالية في مختلف دول العالم.
- المنظمة العالمية للتجارة: منظمة دولية حلت محل الكات Gatt (الاتفاقية العامة حول التعريفة الجمركية والتجارة)، واستهدفت تحرير التجارة العالمية، والعمل على اندماج البلدان الأعضاء في الاقتصاد العالمي.
- البنك الدولي: بنك تابع لهيئة الأمم المتحدة، يمول المشاريع الاقتصادية ويمنح قروضا للبلدان النامية مقابل تطبيقها برامج الإصلاح الاقتصادي وفق مبادئ الليبرالية.
2 – 3 – الفاعل الاجتماعي:
المنظمات غير الحكومية المناهضة للعولمة الاقتصادية: هي جمعيات محلية أو وطنية أو دولية لها منطلقات وغايات متنوعة، ولا تهدف للربح المادي، تنشط في جميع الميادين كحقوق الأنسان، وحماية البيئة …، وفي طليعتها «المنتدى الاجتماعي العالمي»، و«حركة أطاك» …
III – الفرص التنموية للعولمة والمخاطر المترتبة عنها:
1 – الفرص التنموية التي تتيحها العولمة:
تشكل العولمة نموذجا لإدراج جميع البلدان في مسلسل التنمية، وذلك بإخراجها من دائرة التخلف والفقر بفضل الانفتاح على العالم الخارجي، ومن بين الفرص التي تتيحها العولمة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، نذكر:
- فتح باب المنافسة بين الشركات والمؤسسات والمشروعات الاقتصادية على الصعيد العالمي.
- تحرير التجارة وإلفاء القيود والحواجز الجمركية.
- سرعة تدفق المعلومات بدون قيود في أرجاء الكون، وإمكانية الحصول على المعلومات والأخبار بسهولة وفي أقصر وقت ممكن.
- تعزيز فرص الاتصال والحوار والتلاقح بين الثقافات المختلفة.
2 – المخاطر المترتبة عن العولمة:
إذا كانت العولمة تتيح فرص للتنمية فيمكن لها أيضا أن تعرقل تطور اقتصاد بعض الدول خاصة منها النامية، عن طريق:
- فقدان الدول النامية التحكم في أوضاعها الاقتصادية، وتكريس تبعيتها الاقتصادية للدول الرأسمالية.
- القضاء على الصناعات الوطنية بسبب ضعف قدرتها على مواجهة الشركات العالمية ذات الامكانيات المالية والتقنية.
- تهديد الهوية الثقافية الوطنية وترسيخ هيمنة الثقافة الغربية.
خاتمة:
إن العولمة بقدر ما تتيحه من فرص للتنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر تحرير التجارة وفتح باب المنافسة الاقتصادية والاجتماعية بين الشركات والمؤسسات بقدر ما تشكله من مخاطر التبعية الاقتصادية وتهديد للهوية الثقافية.