عرف المغرب مجموعة من الضغوطات الاستعمارية خلال القرن 19م ومطلع القرن 20م انتهت بفرض الحماية عليه سنة 1912م، فتم تقسيم المغرب إلى منطقتي نفوذ فرنسية وأخرى إسبانية، بينما ظلت طنجة تعيش وضعا خاصا اصطلح عليه بالوضع الدولي.
إن جذور الاهتمام الدولي بطنجة يعود إلى نهاية القرن 18م، ففي سنة 1794م تم إنشاء مدرسة البعثة الكاثوليكية الإسبانية، وفي نفس السنة انتقل القنصل الفرنسي من الرباط للاستقرار في طنجة، ثم توالت بعد ذلك الأحداث حيث تعرضت المدينة لقصف فرنسي سنة 1844م بحجة الدعم المغربي للأمير عبد القادر الجزائري في مقاومته للاحتلال الفرنسي، وفي سنة 1864م تأسست مدرسة الرابطة الإسرائيلية العالمية، إلا أن الوضع الحالي لطنجة سيبدأ مع سنة 1904م على إثر الاتفاق السري بين إسبانيا وفرنسا حول طنجة، وفي سنة 1912م تم توقيع معاهدة الحماية التي قسمت المغرب إلى منطقة نفوذ فرنسية وأخرى إسبانية، أما طنجة فعاشت وضعية خاصة، وأمام رفض فرنسا لمسألة تدويل طنجة والتي كانت تعبر فيها عن موقف المعارضة المغربية لهذه المسألة، سيتم التوقيع على معاهدة التدويل في 18 دجنبر 1923م بعد سلسلة من المساومات بين القوى الإمبريالية خاصة بين فرنسا وبريطانيا لتصبح طنجة دولية.
إن أبعاد تدويل طنجة تكمن بالأساس في فقدان المغرب لسيادته على المدينة، بحيث أصبح الأجانب هم سادة طنجة والقائمين عليها والمسيرين لها، أما الدولة المغربية فتواجدها ظل صوريا بعد تمثيل السلطان مندوبا له بطنجة، وقد تم وضع مجموعة من المؤسسات لإدارة طنجة تميزت بسيادة الأجانب وتهميش المغاربة على مستوى التسيير، ومن بين المؤشرات الدالة على الطابع الدولي لطنجة خلال هذه المرحلة: إنشاء مجموعة من المرافق كالبريد والتلغراف والمدارس التعليمية والمدارس الخاصة، أما العملات التي تداولت في طنجة فنجد: الفرنك المغربي والبسيطة الإسبانية والفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي، كما اختلفت اللغات المتداولة في الصحافة المكتوبة والإذاعات.
أقرت اتفاقية باريس 18 دجنبر 1923م أجهزة إدارية متنوعة:
هيمن الأجانب (الأسبان، الفرنسيون، الإنجليز) وغيرهم على الأنشطة الاقتصادية بمنطقة طنجة من خلال الشركات التجارية والبنكية وأنشطة التهريب، وقد استفادوا من امتيازات متعددة، منها: ضعف أجور العمال، وانخفاض أثمان العقار، وندرة الرسوم الجمركية…، ورغم كونهم شكلوا أغلبية السكان، فقد كانت أوضاع المغاربة جد بئيسة، وزاولوا أنشطة متواضعة كخدام البيوت وتجار وحرفيون صغار.
لقد تضافرت الجهود من أجل التصدي للخطط الإمبريالية بمدينة طنجة، فقد عملت الجمعيات على خدمة الحركة الوطنية، خاصة «جمعية الشروق» التي أسستها مجموعة من المثقفين بالمدينة سنة 1926م، و«الجمعية الهلالية» التي تأسست سنة 1928م، وكلها جمعيات تهدف إلى نشر الفكر الوطني في صفوف المغاربة، وإلى جانب الجمعيات نجد أيضا المثقفون، فقد شكلت زيارة المثقف السوري «الأمير شكيب أرسلان» إلى المدينة سنة 1930م حدثا هاما، خاصة وأنه من دعاة القومية العربية وبناء العالم العربي الموحد، إلا أن الفرنسيين سيعملون على إخراجه من المدينة مخافة تأثير زيارته في السكان معنويا وسياسيا. أما من داخل المدينة فقد ظهرت حركة تعليمية إسلامية عملت على التصدي للنفوذ الثقافي الغربي ونشر الثقافة الإسلامية العربية، وفي نفس السياق استغلت الصحافة الوطنية بعض الحرية بمدينة طنجة باعتبارها الجزء الوحيد من البلاد الذي مكن الوطنيين التخلص من موجة القمع ضدهم في المنطقتين الإسبانية والفرنسية لتأسيس مجموعة من الصحف (صوت الشعب، الشعب، منبر الشعب …) لتدافع عن السيادة الوطنية، كما شهدت المدينة مجموعة من الزيارات السلطانية لفك العزلة عن الشعب المغربي بالمدينة ( زيارة ولي العهد أنداك الأمير مولاي الحسن، وزيارة المغفور له محمد الخامس في أبريل سنة 1947م وخطابه التاريخي الشهير بالمدينة، والذي فجر حماس الجماهير المغربية)، وأصبحت المدينة بذلك عاصمة من عواصم الكفاح الوطني، بل أصبحت مسرحا لمظاهرات واصطدامات عنيفة في مطلع الخمسينيات، وبذلك كانت بداية المطالبة باستقلال المدينة وبالتالي استقلال المغرب بكامله ونيله لحريته.
عرفت طنجة وضعا دوليا فريدا من نوعه في العالم، وكان الوضع يصب في إطار فقدان المدينة لهويتها المغربية وإضفاء صبغة غربية عليها، إلا أن فطنة المغاربة بقيادة المغفور له محمد الخامس وقفت أمام كل المحاولات الاستعمارية إلى فك ارتباط طنجة بالمملكة، والمطالبة باستقلال المدينة وعودتها إلى سيادة المغرب رغم القمع الذي مورس ضد الوطنيين المطالبين بالحرية.