محاربة الإسلام للمفاسد الاقتصادية (الاحتكار)
مدخل تمهيدي:
في الآونة الأخيرة انتشرت بعض الممارسات والمعاملات المجتمعية السلبية، التي أثرت على حياة الإنسان، وأفقدته جزءا من كرامته، وأفسدت عليه ليله ونهاره، ومن تلك الممارسات ما يسمى بـالاحتكار.
- فما معنى الاحتكار؟
- وما حكم الاحتكار في الإسلام؟
النصوص المؤطرة للدرس:
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
[سورة النساء، الآية: 29]
عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».
[أخرجه مسلم]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرَصَةٍ ظَلَّ فِيهِمُ امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَائِعًا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
[مسند الإمام أحمد]
I – دراسة النصوص وقراءتها:
1 – توثيق النصوص:
أ – التعريف بسورة النساء:
سورة النساء: مكية، عدد آياتها 176 آية، وهي السورة الرابعة من حيث الترتيب في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة الممتحنة، تبدأ بأحد أساليب النداء “يا أيها الناس”، تحدثت السورة عن أحكام المواريث، سميت سورة النساء لكثرة ما ورد فيها من الأحكام التي تتعلق بهن بدرجة لم توجد في غيرها من السور، وهي سورة مليئة بالأحكام التشريعية التي تنظم الشؤون الداخلية والخارجية للمسلمين، حيث تعنى بجانب التشريع كما هو الحال في السور المدنية، وقد تحدثت السورة الكريمة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والبيت والأسرة والدولة والمجتمع، ولكن معظم الأحكام التي وردت فيها حول موضوع النساء، ولهذا سميت بسورة النساء..
II – فهم النصوص:
1 – مدلولات الألفاظ والعبارات:
- بالباطل: بغير حق.
- التجارة: المراد هنا البيع والشراء.
- عن تراض منكم: عن طيب نفس.
- إِلاَّ خَاطِىءٌ: إِلاَّ آثم وعاص.
- العرصة: البقعة الواسعة بغير بناء من دار أو غيرها.
- الذمة: العهد والحرمة.
2 – استخلاص المضامين الأساسية للنصوص:
- ينهانا الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل، وتقييد التجارة المشروعة بالتراضي القائم على تبادل المنافع بين البائع والمشتري.
- وصف الرسول ﷺ المحتكر بالآثم والعاص.
- تبرئ الرسول ﷺ من محتكر الطعام أربعين يوما لما يسببه ذلك من ضرر للناس.
III – تحليل محاور الدرس ومناقشتها:
1 – الاحتكار: مفهومه، حكمه ومظاهره:
أ – مفهوم الاحتكار:
الاحتكار: لغة: الجمع والحبس، واصطلاحا: حبس الشيء عن العرض وقت الرخص وبيعه وقت الغلاء في الأسوق عند اشتداد الحاجة إليه طلبا للربح، سواء كان الشيء المحتكر طعاما أو غيره مما يكون في احتكاره إضرارا بالناس، ولذلك فإنه يشمل كل المواد الغذائية والأدوية والثياب ومنافع الدور والأراضي . ..
ب – موقف الإسلام من الاحتكار:
الاحتكار محرم في الإسلام بنصوص القرآن والسنة النبوية وإجماع الأمة، لما له من أضرار اجتماعية واقتصادية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾، وقال ﷺ: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ».
ج – شروط تحريم الاحتكار:
- أن يكون الشيء المحتكر زائدا عن حاجته وحاجة عياله سنة كاملة.
- أن يكون قد انتظر الوقت الذي تغلو فيه السلع ليبيعها بثمن مرتفع مستغلا حاجة الناس إليها.
- أن يكون الاحتكار في الوقت الذي يحتاج الناس فيه المواد المحتكرة، ويصيبهم بذلك الضرر.
د – مظاهر الاحتكار:
للاحتكار أمثلة واقعية كثيرة، نذكر منها:
- تخزين المواد الاستهلاكية (سكر، زيت، دقيق …) من طرف التجار حتى إذا قلت في السوق وارتفعت أثمنتها طلبوا فيها ثمنا مرتفعا مما لا يتيسر للفقراء شرائها.
- حبس بعض الادوية الضرورية والسريعة النفاذ، فيطلب فيها ثمنا مرتفعا مما قد يعرض المرضى للهلاك.
- شراء قطع أرضية والتربص بها (رغم حاجة الناس إليها) والامتناع عن البيع إلى أن يرتفع ثمنها، مما يسبب في حرمان طبقة ليس بمقدورها اقتنائها.
2 – الغاية من محاربة الإسلام للاحتكار:
أ – الحكمة من تحريمه:
حرم الإسلام الاحتكار لما له من أضرار اجتماعية واقتصادية، منها:
- إلحاق الضرر بالمستهلك والتضييق على الناس.
- أكل أموال الناس بالباطل.
- إفساد المعاملات التجارية في الأسواق وغيرها.
- انتشار العداوة بين المحتكر وعامة الناس.
- عميق الفوارق بين الفقراء والأغنياء
- ظلم الناس واستغلالهم ومنعهم من الحصول على حاجياتهم.
ب – طرق محاربة الاحتكار:
- الضرب على أيدي المحتكرين.
- جلب السلع وبيعها بثمنها العادي رغم قلتها.
- التيسير والرحمة في البيع والشراء.
- تذكير المحتكر بعقاب الله.
- تفعيل وإحياء نظام الحسبة والمراقبة …