بمعرفة المتقدم من المتأخر في التاريخ كأن ينص الشارع على خلاف ما كان مقررا بدليل، بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين على تأخر أحدهما، فيكون ناسخا للمتقدم، ومن ذلك نسخ حلية شرب الخمر إلى قبيل الصلاة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ بأية تحريم الخمر قطعا في كل حال في قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، ونسخ حبس مرتكب فاحشة الزنا في البيوت في قوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ بالجلد مائة جلدة في قوله تعالى في سورة النور: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أو الرجم حسب الحالات.
وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله واختاره القاضي وأبو الخطاب، وبعض الشافعية، وقد جعل العلماء من ذلك نسخ الوضوء مما مست النار بأكله ﷺ من الشاة ولم يتوضأ.
كالنسخ بوجوب الزكاة سائر الحقوق المالية، ومثله ما ذكر الخطيب البغدادي: أن زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: «َأَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ إِلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ»، وأجمع المسلمون على أن طلوع الفجر يحرم الطعام والشراب، وإجماعهم على نسخ وجوب صيام عاشوراء بوجوب صيام رمضان ولا يعتمد في معرفة النسخ على الاجتهاد أو قول المفسرين المجردة أو التعارض بين الأدلة ظاهرا.