تطور الوعي بضرورة التحرر في المستعمرات الإفريقية والأسيوية، في فترة ما بين الحربين، واستغلت بعض المستعمرات ظروف الحرب العالمية الثانية وظهور منظمة الأمم المتحدة وحركة دول عدم الانحياز للمطالبة بالاستقلال، وشكلت المستعمرات المستقلة نتيجة تخلفها الاقتصادي والحروب الأهلية ما سمي بالعالم الثالث.
اهتمت الشركات الاستعمارية باستغلال المعادن الثمينة بالمستعمرات كالذهب، النحاس، الماس … الخ، ناهيك عن الهيمنة الكبيرة على المنتجات الفلاحية كالبن، الفول السوداني، الموز … الخ، كما فرضت الأنظمة الاستعمارية ضرائب ثقيلة على السكان، وسخرتهم لخدمة المصالح الاستعمارية، وفرضت عليهم الأعمال الإجبارية في بناء الموانئ، الطرق، السكك الحديدية … الخ، بدون مقابل أو بأجور زهيدة وفي ظروف صعبة، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية كثفت الدول الاستعمارية من استغلالها لخيرات المستعمرات، وأدت كل هذه التحولات إلى انعكاسات سلبية على أوضاع السكان الاجتماعية والاقتصادية، حيث تزايدت حالة البؤس الاجتماعي، تفقير السكان، ارتفاع البطالة، الهجرة القروية … وغيرها، وهذا ما جعل السكان ينتفضون ضد الاحتلال.
ساهمت المبادئ الأربعة عشر التي حملها الرئيس الأمريكي “ولسون” إلى مؤتمر السلام سنة 1919م في تصاعد الحركات التحررية بالعالم الثالث، لكونه دعا من خلالها إلى ضمان حق الشعوب في تقرير المصير، ولقد لقيت مدونة الرئيس الأمريكي ترحيبا كبيرا في معظم دول العالم الثالث، ففي الجزائر مثلا فقد وجه الوطنيين الجزائريين رسالة إلى الرئيس الأمريكي عبروا فيها عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المزرية للسكان في ظل الهيمنة الفرنسية، كما طالبوا بوضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له الشعوب، ومن أهم الاتفاقيات الدولية التي ساهمت في تصاعد الحركات التحررية أيضا، هناك الميثاق الأطلسي الذي وقعته فرنسا وبريطانيا سنة 1941م، والذي يقضي باعتراف الجانبان بحق الشعوب في تقرير المصير، كما ساهمت في تصاعد المد التحرري المبادئ التي نادت بها الأمم المتحدة من أجل المحافظة على السلم والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات، علاوة على احترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير.
في إطار الصراع الإيديولوجي ما بين المعسكرين الغربي والشرقي عمل هذا الأخير على دعم الحركات التحررية ذات الميول الاشتراكية (من بينها الفيتنام التي كانت تقبع تحت الاحتلال الفرنسي …)، بينما عملت الولايات المتحدة الأمريكية على دعم كل الأنظمة الرأسمالية، يضاف إلى كل تلك العوامل نمو الوعي لدى المستعمرات.
طالب غاندي باستقلال الهند من الاحتلال الإنجليزي باعتماد طريقة “اللا عنف”، ومن أهم خصائص هذه الطريقة:
هكذا لقيت دعوة غاندي تجاوبا كبيرا لدى الشعب الهندي وأجبرت إنجلترا على الاعتراف باستقلال الهند سنة 1947م.
في فاتح نونبر 1954م انطلق العمل المسلح في الجزائر بتنفيذ عدة عمليات مسلحة في منطقة القبائل وقسطنطينة ثم أخذ يتوسع تدريجيا حتى شمل مجموع التراب الجزائري سنة 1955م، بل انتقل إلى فرنسا ذاتها سنة 1958م، وبالرغم من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال من أجل الحفاظ على وجودها بالجزائر فالكفاح المسلح لم يزدد إلا شدة، وتمكنت “جبهة التحرير” من تحقيق انتصارات كبيرة تمثلت في إلحاق أضرار جسيمة بعملاء المستعمر ومنشآته الاقتصادية والإدارية، وهكذا دخل الشعب الجزائري في حرب تحررية ضد فرنسا انتهت باعتراف هذه الأخيرة باستقلال البلاد سنة 1962م بعد أن كلفت الجزائريين مليونا من الشهداء.
دول العالم الثالث: هي تلك الدول الحديثة العهد بالاستقلال، والتي أخذت تعمل من أجل التخلص من الوقوع تحت سيطرة إحدى المعسكرين، وأن تصبح غير منحازة لأي من الكتلتين، ومن هنا نشأت بذور عدم الانحياز والتي تبلورت في البداية في مؤتمر البلدان “الافرو آسيوية” في باندونغ بأندونيسا سنة 1955م، ومن بين أهم أهدافها:
وتعزز ظهور هذه الحركة بفضل جهود بعض الزعماء من أشهرهم: الرئيس الهندي نيهرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس اليوغوسلافي جوزيف تيتو، وبموجب مؤتمر بلغراد لسنة 1961م، تأسست رسميا حركة عدم الانحياز التي قامت على خمس مبادئ هي:
إذا كانت دول العالم الثالث قد انخرطت كلها في حركة عدم الانحياز، فإنها في نفس الوقت انقسمت إلى منظمات إقليمية، من أهمها:
أ – الجامعة العربية:
الجامعة العربية: منظمة عربية تأسست في 22 مارس 1945م، تضم حاليا 22 دولة عربية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتشير إحصاءات 2007م إلى وجود حوالي 339 510 535 نسمة تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
ب – رابطة دول جنوب شرق آسيا ( آسيان):
تأسست سنة 1967م من طرف 6 دول تهدف إلى:
ج – ـ منظمة الوحدة الإفريقية:
تأسست على اثر قمة أدبس أبابا يوم 25 ماي 1963م، ومن أهم مبادئها:
وبذلك يلاحظ انسجام أهداف هذه التكتلات مع قرارات حركة عدم الانحياز.
هكذا فقد خاضت بلدان العالم الثالث كفاحات طويلة بطرق ووسائل مختلفة من أجل التحرر والاستقلال، لكنها مازالت تعاني من مخلفات الاستعمار، وتتخبط في دوّامة من النزاعات السياسية، ومشاكل التخلف والتبعية الاقتصادية والثقافية.
عرض التعليقات
mercie