مع نهاية القرن 19م برزت عدة قوى رأسمالية شكلت منافسا حقيقيا لأوربا، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.
ساهمت الاختراعات المتعددة (التلغراف، الهاتف، الكهرباء …) في تدارك تأخر الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الحرب الأهلية، وقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق قفزة اقتصادية مكنتها من الالتحاق بأوربا، وأصبحت بورصة «وول ستريت» إحدى أهم البورصات العالمية (رواج أسهم الشركات الضخمة التي أصبحت تتعامل داخل البورصة)، بالإضافة دور التركيز الرأسمالي في الاقتصاد الأمريكي الذي أفرز أشكالا عديدة من التركيز: التروستات، حرية المبادرة، حرية المنافسة، الديموقراطية …
عرفت الولايات المتحدة الأمريكية نموا ديموغرافيا كبيرا، إذ انتقلت ساكنتها من 8,4 مليون نسمة سنة 1815م إلى 53 مليون نسمة سنة 1880م، وتميزت هذه الساكنة بتنوع كبير (الهنود الحمر، أوربيون، أفارقة، أسيويون، اللاتنيون …)، ونظرا للتوسع المجالي الكبير للولايات المتحدة الأمريكية سارت في اتجاه تزايد عدد الولايات من 13 ولاية إلى 50 ولاية، وقد اتسعت في مناطق كانت تحت نفوذ كل من فرنسا، انجلترا، اسبانيا، المكسيك، روسيا، وقد لعبت البورجوازية دورا كبيرا في الاقتصاد الأمريكي، حيث فرضت هيمنتها على مؤسسات كبرى في البلاد، مثل: روكفيلر، فورد، مؤسسات مرتبطة بالسياسة الخارجية، وسائل الإعلام، وقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بفضل قوة مواردها البشرية والطبيعية، والدور الذي لعبته البورجوازية في التمكن من الالتحاق بمصاف الدول الرأسمالية في العالم.
كانت اليابان في بداية القرن 19م خاضعة لحكم إقطاعي متخلف معزول عن العالم (تهيمن فيه طبقة النبلاء)، والذي واكب عهد أسرة «توغوغاوا»، لكن بعد ثورة «الميجي» لسنة 1868م دشنت عهدا جديدا بإعلان «ميتسوهيتو» إمبراطورا لليابان، والذي قام بعدة خطوات، منها: القضاء على النظام الفيودالي واتخاذ اليَن كعملة وطنية، وإقرار الدستور، وإنشاء البنك الوطني، واستكمال التطورات الصناعية والعسكرية، وغزو خارجي ضد الصين 1895م وروسيا 1905م، وضم عدة مناطق، أهمها: منشوريا، فورموزا (تايوان)، وقد نشأت حركة تركيز رأسمالي وصناعي تسمى «الزايباتشو» التي هي عبارة عن مؤسسات عائلية وفرت منتوج جديد يمكن تسويقه نحو الخارج.
قام الإمبراطور «ميتسوهيتو» بعدة إصلاحات شملت الميادين التالية:
وقد مكن انفتاح اليابان على العالم الخارجي كإرسال بعثات 1871 من استكمال تشييد وتحديث المنشآت والمؤسسات الوطنية، وبالتالي استيفاء حاجتها من الخبرات.
كان على كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية مواجهة الاضطرابات الداخلية لتحقيق قفزتهما وانضمامهما إلى الدول الرأسمالية، وذلك باتخاذ عدة إجراءات وإصلاحات تهم مواجهة هذه الأزمات الداخلية.
قامت كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية بالتوسع خارج حدودهما للسيطرة على الثروات وتصدير فائض الإنتاج، فقد توسعت اليابان في كوريا ومنشوريا (الغنية بالفحم والحديد)، وفي فورموزة وسخالين. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد توسعت على حساب المكسيك وتمكنت من ضم الولايات الجنوبية لتكساس ونيومكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا وضمت جزر الكاريبي وهايتي والفلبين …
تمكنت كل من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية من اللحاق بمصاف الدول الرأسمالية والإمبريالية، وقد أعقب هذه المرحلة تنافسا استعماريا شديدا للبحث عن الموارد الطبيعية وفرض الهيمنة الإمبريالية متجلية في التنافس الاستعماري أدت إلى نشوب حربين عالميتين.
عرض التعليقات
جزاكم الله خيرا