درس المغرب تحت نظام الحماية للسنة الثانية باكالوريا علوم

تمهيد إشكالي:

تعرض المغرب لمجموعة من الضغوط خلال مطلع القرن 20م، كما عاش في نفس الفترة ظروفا داخلية صعبة توجت بفرض الحماية عليه بموجب معاهدة فاس يوم 30 مارس 1912م.

  • فما هو السياق التاريخي لفرض الحماية على المغرب؟
  • وما الأسس والأجهزة التي ارتكز عليها هذا النظام؟
  • وكيف كان رد فعل المغاربة تجاه نظام الحماية؟
  • وما العوامل المفسرة لتوقف المقاومة المسلحة بالمغرب؟

І – السياق التاريخي لفرض نظام الحماية على المغرب:

1 – السياق الدولي لفرض الحماية على المغرب:

مهد الأوربيون تدخلهم في المغرب بتدشين حركة الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وهكذا بدأ التدخل الأجنبي رسميا مع انطلاق القرن 20م بتوقيع عدة اتفاقيات استعمارية من أجل الحسم في القضية المغربية، ومنها: الاتفاق الفرنسي الإيطالي حول المغرب وليبيا سنة 1902م، والاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي حول المغرب ومصر سنة 1904م، وما تلا ذلك من انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء واحتلال فرنسا لوجدة والدار البيضاء سنة 1907م، وظهور مناوشات ألمانية.

2 – الظروف الداخلية التي تم في اطارها فرض الحماية على المغرب:

عاش المغرب ظروفا داخلية صعبة في عهد المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ قبل عقد الحماية:

  • الظروف السياسية: بيعة المولى عبد العزيز سنة 1894م في سن مبكرة مما ساعد على التغلغل الأوربي في المغرب، إلى جانب وفاة «باحماد» حرمت السلطان من وزير متمرس وحازم، وهكذا سقط العاهل المغربي تحت إمرة المستشارين الأجانب، وهكذا واجهت السلطة المركزية اندلاع الثورات والتمردات القبلية ضد المخزن، كان أبرزها: حركة الريسوني في شبه الجزيرة الطنجية والريف بعد ما عمت الانتفاضة ضد المولى عبد العزيز، وتمرد بوحمارة في المغرب الشرقي، وقد أدى قبول المولى عبد العزيز لمقررات الجزيرة الخضراء إلى عزله ومبايعة أخيه المولى عبد الحفيظ 1908م الذي رأى فيه المغاربة كبطل للاستقلال الوطني، لكن خيبة الشعب حلت بعد عجزه عن إدانة مؤتمر الجزيرة الخضراء وعجزه عن طرد الأجانب.
  • الظروف الاقتصادية والاجتماعية: انتشار الجراد وظهور المجاعة بالمغرب الشرقي، ورفض أداء ضريبة الترتيب بعد حذف الضرائب التقليدية كالزكاة والأعشار، واقتراض السلطان المولى عبد العزيز بعد نفاذ خزينته لمبلغ 22 مليون و500 ألف فرنك من فرنسا وانجلترا وإسبانيا، إلى جانب اقتراض السلطان المولى عبد الحفيظ مبلغ 100 مليون فرنك بهدف تسديد ديون أخيه وتمويل الأشغال العمومية، وقد نجحت فرنسا وإسبانيا في زعزعة المكانة التي كان يحضى بها السلطان المولى عبد الحفيظ في صفوف الشعب المغربي، مما تسبب في مصادقته على عقد الحماية.

3 – بنود عقد الحماية:

قد مست بنود معاهدة الحماية جميع الميادين السياسية والاقتصادية والدبلوماسية:

  • الميدان الدبلوماسي: تم الاتفاق على تعيين دبلوماسيين وقناصلة يقومون بتمثيل مراكش وحماية مصالحها الخارجية.
  • الميدان السياسي: تعيين مقيم عام يمثل الإدارة الفرنسية ويتولى الشؤون الخارجية بالمغرب، وإرغام السلطان بواسطة تفويض عام على تسليم سلطاته إلى خليفة تطوان بالنسبة للمنطقة الإسبانية وللمندوب بالنسبة لطنجة.
  • الميدان الاقتصادي: تأمين المعاملات التجارية في المراسي المغربية وجباية مداخيل الدولة.
  • الميدان العسكري: تقديم الدعم للسلطان المغربي ضد أي خطر يهدد عرشه، والتدخل العسكري في بعض المناطق لاستتباب الأمن.

إن بنود معاهدة الحماية قد جردت المغرب من حرية المبادرة والمسؤولية الحكومية وتسيير السياسة الخارجية وحماية الأمن والدفاع عن وحدة التراب الوطني والتحكم الحر في الثروات الاقتصادية والمالية.

II – الأجهزة التي ارتكز عليها نظام الحماية بالمغرب وتفسير بعض آليات هذا النظام:

1 – الأجهزة السياسية والإدارية بالمغرب في منطقة النفوذ الفرنسي:

مؤسسات الحماية الفرنسية: وهي عبارة عن ثلاثة مستويات مركزية وجهوية ومحلية:

  • الإدارة المركزية: توجد على رأسها الإقامة العامة لها علاقة بمجلس الحكومة ومستشار الحكومة، تتكون من ثلاثة مكاتب (المكتب المدني، والمكتب العسكري، والمكتب الدبلوماسي)، يرأسها المقيم العام الذي يمثل فرنسا، يسير جميع المصالح العسكرية والإدارية، ويعين الموظفين، ويصدر القوانين، ويشرف على الشؤون الخارجية، وينوب عن المقيم العام مندوب خلال فترة الغياب.
  • الكتابة العامة: يرأسها الكاتب العام يهتم بضمان المركزية الإدارية.
  • إدارة الشؤون الشريفية: يرأسها مستشار الحكومة الشريفة، ويعتبر صلة وصل بين المقيم العام والسلطان والصدر الأعظم، ويراقب وزارات المخزن.
  • المصالح الشريفية الجديدة: تشمل إدارة الأشغال العمومية وإدارة الفلاحة والتجارة والغابات وإدارة المالية وإدارة مصالح الأمن العمومي وإدارة الداخلية.
  • الإدارة الجهوية: تتكون من المجلس الاستشاري الجهوي ورؤساء المناطق العسكرية والمدنية (الدار البيضاء، وجدة، الرباط، مكناس، فاس، أكادير، مراكش) يعينهم رئيس الجمهورية الفرنسية باقتراح من وزير الداخلية
  • الإدارة المحلية: في المدن نجد الباشا بالإضافة إلى المجلس البلدي، أما في القرى فنجد المجلس القروي والقائد الذي يساعده الشيخ.

تم الحفاظ على الإدارة المخزنية رغم تجريدها من صلاحياتها:

  • السلطان: له سلطة دينية شكلية، مهمته توقيع الظهائر التي يقدمها المقيم العام.

الصدر الأعظم: له سلطة اسمية، يشرف على الإدارة المغربية كوزارة العدل والأوقاف.

لقد أصبحت السلطات صورية في ظل أجهزة الحماية، إذ لم يكن له مبادرة سن القوانين ولا يتحكم في توجيه السياسة الخارجية والقوات العسكرية.

2 – السياق التاريخي لمؤامرة تقسيم المغرب إلى منطقتي نفوذ إسباني فرنسي:

ورد في الاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي ضرورة إشراك إسبانيا في فرض نفوذها على المغرب، ولذلك عقد اتفاق فرنسي إسباني في أكتوبر 1904م قسم المغرب إلى منطقة نفوذ إسباني في الشمال والجنوب ومنطقة النفوذ الفرنسي في الوسط، وفي نونبر 1912م عقد اتفاق فرنسي إسباني لتحديد مناطق نفوذ الدولتين، ورسم حدود طنجة الدولية التي تم تحديد طرق تسييرها سنة 1923م.

3 – الأجهزة السياسية والإدارية في منطقة النفوذ الإسباني والنظام الدولي بطنجة:

  • المنطقة الإسبانية: وهي المنطقة الخليفية يعين بها خليفة السلطان (المهدي ابن عم السلطان) يصدر الظهائر، وعينت إسبانيا مندوبا عاما ساميا سنة 1913م لها، يراقب أعمال الخليفة ويسير شؤون منطقته، تساعده خمس إدارات (نيابة الأشغال العمومية والمالية، ونيابة الغابات وتربية الماشية، ونيابة الاقتصاد والفلاحة والميزانية، ونيابة الثقافة والتعليم، ونيابة الأمور الأهلية)، يمثل الخليفة في المدن الباشوات، وفي البوادي القواد، ويخضعون لسلطة القناصل والضباط المدنيين.
  • طنجة الدولية: كانت لها وضعية خاصة بعد الاتفاق بين فرنسا وإسبانيا وإنجلترا حول نظامها وحدودها سنة 1913م، وبعد اتفاقية 18 دجنبر 1923م التي نظمت الإدارة الدولية للمدينة تم تعيين مندوب يمثل السلطان ويساعده القاضي وموظفي الأحباس له سلطات محدودة ويرأس المجلس التشريعي الدولي، وعموما نجد ثلاثة هيئات (المجلس التشريعي: يتكون من 27 عضو يخول له خليفة السلطان حق التشريع والتنظيم، ولجنة المراقبة: تتكون من قناصلة الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء ويرأسها أحدهم بصفة دورية، وسلطة تنفيدية: يمثلها مدير بالتناوب ويشرف على إدارة المدينة ويكون في نفس الوقت حاكما، وسلطة قضائية: تتكون من 7 قضاة يبتون في النزاعات التجارية والمدنية والجنائية، بالإضافة إلى الإدارة الدولية، وقد تم الحفاظ على الإدارة المخزنية التي يرأسها مندوب ذو اختصاصات محدودة بمساعدة القاضي وموظفو الأحباس، ورغم الطابع الدولي لمدينة طنجة فإن الحضور البشري والاقتصادي كان من نصيب فرنسا وإسبانيا.

4 – تحول الحماية من نظام للمراقبة إلى نظام للحكم المباشر:

عرف «ليوطي» الحماية بأنها نظام يتيح إمكانية إخضاع شعب معين للسلطة الاستعمارية وذلك عن طريق إشراك السكان الأهالي في الحكم، ودافع «ليوطي» عن تطبيق نظام الحماية بالمغرب منذ 1912م حتى استقال سنة 1925م وتحول بذلك إلى نظام حكم مباشر جرد المخزن من سيادته.

III – بروز المقاومة المسلحة لمواجهة عقد الحماية:

1 – قيام المقاومة في معظم مناطق المغرب:

  • الجنوب: تزعم المقاومة الشيخ ماء العينين، وبعد وفاته سنة 1910م تولى إبنه «أحمد الهيبة» المقاومة شمالا حتى وصل مراكش لكنه انهزم أمام الفرنسيين في معركة «سيدي بوعثمان» سنة 1912م، ثم عاد إلى الجنوب وواصل المقاومة حتى وفاته سنة 1919م، ثم خلفه على رأس الحركة أخوه «مربيه ربه» الذي استمر في مقاومة الاحتلال إلى غاية 1934م.
  • الأطلس المتوسط: انتصرت القبائل الزيانية بزعامة «موحى احمو الزياني» في «معركة لهري» سنة 1914م على الجيش الفرنسي واستشهد الزعيم في «معركة ازلاغن تزمورت» سنة 1921م.
  • الريف: تولى محمد بن عبد الكريم الخطابي مواجهة القوات الإسبانية في الشمال فألحق الهزيمة بها في «معركة أنوال» سنة 1921م، وفي سنة 1923م قررت فرنسا وإسبانيا وضع حد للمقاومة الريفية فتحالفتا وشنتا حربا على محمد بن عبد الكريم الخطابي، فاضطر للاستسلام تجنبا لإبادة السكان، وتم نفيه إلى «جزيرة الرينيون» سنة 1926م.
  • المقاومة في تافيلالت ودرعة والأطلس الكبير: قاومت قبائل «آيت عطا» بقيادة «عسو أوبسلام» الذي انتصر على الجيش الفرنسي في »معركة بوغافر« سنة 1933م، كما قاوم كل من «با علي» و«زايد اوحماد» و«عبد الله زاكور» وخاضوا عدة معارك (معركة القوس سنة 1919م ومعركة زغنغين ايت عبد الله سنة 1934م).

وقد اعتمدت قوات الاحتلال في مواجهة المقاومة على بعض كبار قواد القبائل كالريسوني في الشمال والتهامي لكلاوي وأخوه المدني في منطقة مراكش، ورغم توقف المقاومة المسلحة سنة 1934م فإنها كبدت المستعمر خسائر مهمة واستطاعت تأخير عميلة الاحتلال.

2 – العوامل المفسرة لتوقف حركة المقاومة:

ساهمت مجموعة من العوامل في توقف المقاومة المسلحة:

  • تواطؤ القائد العايدي مع فرنسا الذي دعمها للانتصار على مقاومة أحمد الهيبة في الجنوب.
  • تباين القوة بين المقاومة المسلحة وجيش الاحتلال.
  • استعمال قوات الاحتلال للقنابل والغازات السامة لردع المقاومة.
  • التحالف الفرنسي الإسباني لوقف مقاومة الريف.
  • استسلام عناصر المقاومة (عسو أوبسلام ومحمد بن عبد الكريم الخطابي).
  • تجنيد الاحتلال سكان المناطق المحتلة وإشراكها في المعارك ضد المقاومة.

استطاعت كل من فرنسا وإسبانيا إخماد المقاومة المسلحة بالمغرب سنة 1934مـ وهي الفترة التي شهدت انطلاقة ظهور الحركة الوطنية.

خاتمة:

لقد كان عقد الحماية عبئا على شخصية السلطان والشعب المغربي، إذ أعطى صلاحيات للتدخل الأجنبي في جميع الميادين رغم الحفاظ على الإدارة المخزنية كهيئة داخل النظام.

مصطلحات ومفاهيم

  • مؤتمر الجزيرة الخضراء: امتدت أشغاله ما بين 15 يناير و7 أبريل 1906م بجنوب اسبانيا وقعته معظم الدول الأوربية، وانتهى بأحقية فرنسا وإسبانيا التدخل في المغرب.
  • بوحمارة: يسمى الجيلالي الزرهوني تمرد في المغرب الشرقي سنة 1902م ودعمته فرنسا بالمال والسلاح لتشجيع الاضطرابات، وتمكن المولى عبد الحفيظ من القضاء عليه سنة 1909م.
  • الترتيب: هي ضريبة أحدثها المولى عبد العزيز وكان يؤديها جميع السكان على المواشي الأشجار والأراضي.
  • المولى عبد العزيز: هو سلطان علوي حكم المغرب ما بين 1894 – 1908م وعرفت فترة حكمه تزايد الضغوط على المغرب.
  • المولى عبد الحفيظ: حكم المغرب ما بين 1908 – 1912م بايعه المغاربة بيعة مشروطة بعدم الاعتراف بمقررات الجزيرة الخضراء، لكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك فاضطر لتوقيع الحماية، ويتنازل عن العرش للسلطان يوسف.
  • السياسة الأهلية: هي سياسة طبقها ليوطي، تمثلت في التظاهر بالمساواة بين المغاربة والأوربيين من خلال الإبقاء على الإدارة المحلية وعدم التدخل في شؤونها خاصة الدينية والقضائية.
  • أيام فاس الدامية: توصيف استعماري يدل على المواجهات الاستعمارية التي حصلت بين المخزن المغربي والضباط الفرنسيين بعد التوقيع على عقد الحماية، ثم تطورت إلى انتفاضة عارمة سنة 1912م واجهها الجنرال الفرنسي مواني بالقمع.
  • باحماد: هو احمد بن موسى كان حاجبا (وزيرا) للسلطان المولى عبد العزيز، والحاكم الفعلي للمغرب ما بين 1900 – 1894م.
  • الرسوني: هو الشريف أحمد الرسوني، شارك في عمليات اختطاف الأجانب بأحواز طنجة، وكان يطلق سراحهم مقابل فديات مالية، مما خلق مشاكل إضافية للمخزن، وقد عينه المولى عبد الحفيظ سنة 1908م عاملا على إقليم الفحص الطنجي.
  • قدور بن غبريط: ترجمان جزائري، هو الذي ترجم عقد الحماية للسلطان عبد الحفيظ.
  • نظام الحماية: هو نظام يتم على أساس احتفاظ البلد المستعمر بسيادته ونظام حكمه السائد، إلى جانب إدارة استعمارية مراقبة يترأسها المقيم العام أو المفوض السامي، إلا أن الادارة الاستعمارية غالبا ما تنتزع السلطات الأساسية من يد الإدارة المحلية فيصبح الحكم صوريا وشكليا في يد الأهالي.
  • ليوطي: أول مقيم عام بالمغرب (1912 – 1925م) ولد بمدينة نانسي بفرنسا يوم 17 نونبر 1854م، مارس عدة مهام عسكرية بالجزائر والهند الصينية ومدغشقر، كما قاد جيش الاحتلال إلى مدينة وجدة 1907م، وهو الذي وطد دعائم الحماية بالمغرب، وتوفي سنة 1934م.
  • موحى أوحمو الزياني: ولد سنة 1977م بالأطلس المتوسط، قاد القبائل الزيانية وهزم القوات الفرنسية في معركة لهري سنة 1914م، واستشهد في معركة ازلاغن تازمورت سنة 1921م.
  • محمد بن عبد الكريم الخطابي: ولد سنة 1883م في أجدير بالريف، تزعم المقاومة الريفية وهزم  القوات الإسبانية في معركة أنوال، واستسلم سنة 1926م ونفي إلى جزيرة الرينيون، ثم لجأ إلى مصر حيث توفي سنة 1962م.

 

رابط التحميل من موقع البستان

هل لديك تعليق؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *