شهد العالم غداة الحرب العالمية الأولى عقد مؤتمر السلام ومعاهدات الصلح، وحدوث تحولات سياسية وترابية عميقة.
انعقد مؤتمر السلام بقصر فرساي في باريس ما بين يناير وماي سنة 1919م مباشرة بعد انتهاء الحرب الأولى، وبلغ عدد الدول الممثلة فيه 32 دولة، لكن القرارات التي اتخذها المؤتمر تمت على يد أربع دول فقط (الولايات المتحدة الأمريكية: مثلها الرئيس «ويلسون»، وكان يهدف إلى خلق أسواق لتصريف فائض الإنتاج الرأسمالي الأمريكي، وكذا إلى عدم اضعاف ألمانيا للحيلولة دون وصول الشيوعيين للحكم، وفرنسا: مثلها رئيس وزرائها «جورج كليمنصو»، وكان من أشد الدعاة لإضعاف ألمانيا بشكل كبير حتى لا تفكر لاحقا في تهديد فرنسا، وانجلترا: مثلها وزيرها الأول «اليد جورج»، وكان يرغب في تحقيق التوازن الدولي، وتبنى موقف «ويلسون» من ألمانيا، وايطاليا: مثلها وزيرها الأول «أورلوندو»، وكان همه تمكين إيطاليا من بعض الأراضي التركية كمقابل لها عن مشاركتها في الحرب)، واختتم المؤتمر أعماله بإعداد معاهدات السلام التي تم فرضها على الدول المنهزمة في الحرب.
عقدت معاهدة فرساي مع ألمانيا سنة 1919م، وأسفرت عنها مجموعة من الشروط:
أدت نتائج الحرب العالمية الأولى والتي قررها مؤتمر الصلح إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية لأوربا، مما ساهم في اختفاء دول وبروز أخرى، فقد اختفت الإمبراطوريات النمساوية – الهنغارية والعثمانية، بالمقابل برزت دول جديدة على الخريطة كيوغوسالفيا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا، واستهدفت المعاهدات الموقعة هدم كيان الدول المنهزمة واضعافها بصفة نهائية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات عميقة في نهاية الثلاثينيات.
اقترح الرئيس الأمريكي «ويلسون» في مؤتمر السلام تشكيل هيئة دولية تبث في النزاعات الدولية، وذلك ما تم بالفعل، حيث تأسست عصبة الأمم سنة 1919م، وكانت تهدف لمنع المعاهدات السرية والنزع التدريجي للسلاح من أجل الحفاظ على الأمن العالمي، لكن في واقع الأمر لم تكن العصبة إلا مجرد أداة في خدمة مصالح القوى الكبرى أنداك.
مست العمليات العسكرية بصفة خاصة مناطق البلقان وأوربا الغربية وبولونيا، فدمرت المباني وتعطلت مساحات واسعة من الأراضي الفلاحية بسبب اتلاف ملايين الهكتارات، واستنزفت المناجم، وخربت العديد من المصانع وتحولت أخرى إلى إنتاج المعدات الحربية، فانخفض الإنتاج الفلاحي بنسبة %20 والصناعي بنسبة %30 وتراجع الاقتصاد الأوربي، بالمقابل نما الاقتصاد الأمريكي والياباني، حيث تراكم لدى الولايات المتحدة الأمريكية احتياطي الذهب العالمي.
لقد تم توزيع المستعمرات التي كانت تابعة للدول المنهزمة على الدول المنتصرة، حيث زادت هذه الأخيرة من مجالها التوسعي التوسعي، ونهجت الدول الأوربية خاصة فرنسا وانجلترا سياسة استعمارية تهدف إلى استغلال خيرات المستعمرات وثرواتها المادية والبشرية لإعادة بناء الاقتصاد الأوربي الذي دمرته الحرب، وكان لذلك آثار سلبية على أوضاع المستعمرات اقتصاديا واجتماعيا، مما نتج عنه نشوء حركات مقاومة لسياسة الاستعمار.
عرفت أوربا خلال الحرب العالمية الأولى عقد مؤتمر السلام، وتوقيع معاهدات الصلح وحدوث تحولات سياسية كبرى في أوربا والعالم.