درس الصناعة النفطية وانعكاساتها على تنظيم المجال بالعالم العربي – مادة الجغرافيا – الأولى باكالوريا آداب

الصناعة النفطية وانعكاساتها على تنظيم المجال بالعالم العربي

تمهيد إشكالي:

تحتل الصناعات النفطية مكانة هامة في اقتصاديات بلدان العالم العربي المنتجة للنفط، وقد أحدث النفط بعد اكتشافه واستغلاله تحولات سوسيومجالية عميقة على المستوى الديموغرافي، وفي نمط العيش وحياة السكان، حيث انتقلت الساكنة من حياة البداوة والترحال والنمو الديموغرافي البطيء والكثافة الضعيفة إلى حياة التمدن والاستقرار بالبوادي بفعل مشاريع التنمية الزراعية، كما تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي وظهرت صناعات مرتبطة بهذه الثروة وتزايد عدد السكان والمدن بشكل ملحوظ.

  • فأين تتوطن الصناعات النفطية بالعالم العربي ؟
  • وما هي مكانتها في اقتصاديات هذه البلدان؟
  • وما هي العوامل المفسرة لتوطن هذه الصناعات ولمكانتها؟
  • وما هي انعكاسات هذه الصناعات على تنظيم المجال؟

I – توزيع الصناعات النفطية ومكانتها في اقتصاديات البلدان العربية:

1 – توزيع مناطق الصناعات النفطية بالبلدان العربية:

يتوفر العالم العربي على أكبر ثروة نفطية وغازية في العالم، يوجد معظمها بمنطقة الشرق الأوسط بالدرجة الأولى وبإفريقيا الشمالية باستثناء موريتانيا، حيث الاحتياطي ضعيف والاكتشافات حديثة العهد، والمغرب حيث ما زالت هذه الثروة شبه منعدمة، وارتبطت بهذه الثروة صناعات تكريرية بواسطة مصفاة النفط والغاز، وأخرى بترو كيماوية قائمة على النفط كمادة خام لإنتاج عدة منتوجات تحويلية، مثل: الأسمدة والألياف الصناعية والصباغة واللدائن والصيدلة والإسفلت والبلاستيك وغيرها، وهي صناعات ظهرت وانتشرت بالأقطار العربية النفطية كأداة لتحقيق الاستقلال والإقلاع الاقتصادي خصوصا بالمناطق الساحلية للخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط، إضافة إلى بعض المناطق الداخلية الحدودية كما هو الشأن بالعراق، ويتركز هذا النوع من الصناعات بالشرق الأوسط خاصة السعودية ودول الخليج وبشمال إفريقيا خاصة الجزائر إلى جانب ليبيا ومصر، بينما تظل هذه الصناعات محدودة في تونس والمغرب وموريتانيا.

2 – مكانة الصناعات النفطية في اقتصاديات الدول العربية:

تتحدد مكانة وأهمية الصناعات النفطية في اقتصاديات الدول العربية في:

  • توفيرها لحوالي 30% من الإنتاج العالمي من النفط، حيث تحتل العربية السعودية المرتبة الأولى عالميا في إنتاج النفط والغاز، تليها الدول الخليجية، مثل: الإمارات (المرتبة10 بالنسبة للنفط)، والكويت (المرتبة 12 بالنسبة للنفط)، ثم الجزائر (المرتبة 4 بالنسبة للغاز، والمرتبة14 بالنسبة للنفط)، وليبيا (المرتبة16 بالنسبة للنفط).
  • ظهور وتوسع الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز خصوصا مصافي التكرير التي بلغ عددها سنة 2004م حوالي 66 مصفاة بطاقة تكريرية تناهز 8.9 % من إجمالي الطاقة التكريرية العالمية، تحتل فيها السعودية الريادة بإنتاج يبلغ 2.047 مليون برميل يوميا.
  • تحقيق الدول النفطية لإيرادات ضخمة وفي مقدمتها العربية السعودية (62 مليار دولار سنة 2003م) خصوصا بعد تزايد الطلب العالمي على النفط وارتفاع أسعاره بشكل كبير في السوق الدولية (أكثر من 120 دولار للبرميل).
  • تحقيق المنتجات النفطية والبتر وكيماوية ل 33% من مجموع القيمة المضافة الصناعية التحويلية العربية سنة 2004م، الشيء الذي ساعد بعض هذه الدول على تحقيق الثروة الفاحشة وفائض في الميزان التجاري، وعلى تغطية مشاكلها الطبيعية والاجتماعية في الوقت الحالي.

II – العوامل المفسرة لتوطين ومكانة الصناعات النفطية في العالم العربي:

1 – الاحتياطات النفطية الهائلة:

تستحوذ المنطقة العربية على أكثر من 50% من الاحتياطات النفطية العالمية معظمها يتواجد بمنطقة الشرق الأوسط (السعودية 22.1%، العراق 9.7%، الكويت 8.3%، الإمارات 8.2%، ليبيا 3.3 %)، ونظرا لأهمية المدخرات النفطية والغازية، حيث جعلت البلدان العربية تحتل المراتب الأولى عالميا خاصة في مجال النفط، فعلى:

  • على مستوى النفط: السعودية الرتبة الأولى عالميا، العراق الرتبة الثالثة عالميا، الكويت الرتبة الرابعة عالميا، الإمارات الرتبة الخامسة عالميا، ليبيا الرتبة التاسعة عالميا …
  • على مستوى الغاز الطبيعي: قطر الرتبة الثالثة عالميا، السعودية الرتبة الرابعة عالميا، الإمارات الرتبة الخامسة عالميا، الجزائر الرتبة الثامنة عالميا، ليبيا الرتبة التاسعة عالميا …

وهناك دول عربية أخرى توجد في مراتب عالمية متأخرة إما لضعف مدخراتها، مثل: تونس واليمن والبحرين، وإما لانعدامها، مثل: المغرب.

2 – البنية التحتية المهمة:

لاستغلال الثروة النفطية والغازية أنشأت الدول العربية بنية تحتية مهمة تتجلى في العديد من الموانئ لتصدير النفط والغاز، مثل: ارزيو، وسكيكدة، والجزائر العاصمة بالنسبة للجزائر، والزاوية، والسدرة، ورأس لانوف، والبريقة، وطبرق بالنسبة لليبيا، والإسكندرية، والسويس بالنسبة لمصر، وينبع، ورأس التنورة، والدمام، وجبيل بالسنبة للسعودية، والفاو بالنسبة للعراق، إضافة إلى شبكة كثيفة من الأنابيب لنقل الغاز والنفط من حقول الإنتاج إلى موانئ التصدير، كما أن هناك أنابيب تعبر المتوسط نحو ايطاليا عبر تونس ونحو اسبانيا عبر المغرب.

III – انعكاسات الصناعات النفطية على تنظيم المجال بالعالم العربي:

1 – الانعكاسات المجالية للصناعات النفطية:

أ – بالمدن:

عرف المجال الحضري بفعل استغلال البترول عدة تحولات يمكن تحديدها على الشكل التالي:

  • تحولات اجتماعية: من أبرزها الانتقال من البداوة والترحال إلى حياة التمدن والاستقرار، وارتفاع الدخل الفردي، وتوفر التجهيزات والخدمات.
  • تحولات اقتصادية: وفي طليعتها تزايد أهمية الصناعة والتجارة والخدمات.
  • تحولات عمرانية: من بينها تطور المدن وازدهار حركة العمران بها.

ب – بالبوادي:

شهد المجال الريفي بدوره تحولات يمكن تحديدها على الشكل الآتي:

  • في ميدان التجهيزات الأساسية: إقامة شبكة حديثة للمواصلات وشبكة أنابيب البترول، بالإضافة إلى المرافق الاجتماعية كالصحة والتعليم.
  • في الميدان الفلاحي: توسيع المجال السقوي العصري، وتطوير مشاريع تحلية مياه البحر في بلدان الخليج العربي، وإنجاز مشروع النهر الصناعي في ليبيا.

2 – الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للصناعات النفطية:

  • حدوث تغيرات اقتصادية جذرية حيث عوضت النقود حياة الرعي والترحال وتربية الماشية التي اعتبرت أساس ومصدر الثروة لدى المجتمعات الصحراوية العربية.
  • تطور مستوى الخدمات الإدارية والاجتماعية والسياحية واستفادتها من احدث التقنيات الغربية.
  • دور الغنى المالي في جلب قوة العمل اللازمة من الخارج نتيجة النقص الحاصل في العمالة المحلية.
  • تزايد النزعة الاستهلاكية لدى الأقطار العربية النفطية التي أصبحت مجتمعاتها تميل إلى حياة الترف (سيارات، طائرات، ثلاجات، وسائل معلوماتية…)، الشيء الذي يزيد من تبعيتها للخارج ويسبب في نقص مدخراتها من الأموال ويزيد من حجم مديونية دولها لكونها مجتمعات استهلاكية غير منتجة، هذا إلى جانب المكتسبات السلوكية السلبية التي تخلفها موجة التحديث والتي أثرت على الأسرة والمجتمع العربيين.

3 – الانعكاسات البيئية ومستقبل الصناعات النفطية بالعالم العربي:

تحيط بالثروة النفطية والصناعات المرتبطة بها مشاكل بيئية بالعالم العربي، منها ما هو مرتبط بالاستغلال المفرط والمتزايد، ومنها ما له علاقة بالوضع البيئي، ومن بين هذه المشاكل والانعكاسات نجد:

  • إن ازدهار الصناعات التكريرية والبتر وكيماوية بالأقطار العربية النفطية يؤثر سلبا على المحيط الايكولوجي لما يفرزه هذا النوع من الصناعات من غازات احتباسية سامة كغاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الكلورفلوركاربون والميثان وغيرها من الغازات التي تعتبر مسؤولة عن تلوث الهواء، وتزايد إشباع ثقب الأزون وارتفاع حرارة الأرض أو ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري والذي تساهم فيه الحرائق التي تعرضت لها بعض الآبار النفطية كما هو الحال بالعراق خلال حرب الخليج 1991 وبعدها.
  • يعد العالم العربي ثاني طرف مسؤول عن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
  • إن الاستهلاك المفرط لهذه الثروة يهدد بنضوبها وبأزمة نفطية وغازية لأن عمرها الافتراضي جد محدود، وإن بلغ ببعض البلدان بالنسبة للنفط أزيد من 100 سنة كما هو الحال بالكويت والإمارات والعراق، ويقل عنها بقليل كما هو الشأن بالنسبة للسعودية وليبيا، أما بالنسبة للغاز فيتجاوز 300 سنة في كل من العراق وقطر وحوالي 100 سنة بالنسبة للكويت والسعودية والإمارات، واقل من 100 سنة في باقي الدول المنتجة الأخرى، مع الإشارة إلى أن العمر الافتراضي على الصعيد العالمي هو 42 سنة بالنسبة للنفط و50 سنة بالنسبة للغاز.

خاتمة:

يعتبر البترول أساس تقدم بعض البلدان العربية وخاصة دول الخليج، وقد انعكس ذلك على عدة جوانب منها: الاقتصادية والاجتماعية والمجالية.

رابط التحميل من موقع البستان

3 Comments

هل لديك تعليق؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *