السكان النشيطون والعمالة الأجنبية بالعالم العربي
تمهيد إشكالي:
يتوفر العالم العربي على مقومات متنوعة من شأنها تحقيق نمائه الاقتصادي، حيث يتوفر على ثروات معدنية وطاقية هامة، وعلى رساميل ريعية ضخمة تعززها طاقاته البشرية المتزايدة باستمرار، والتي شكلت سوقا استهلاكية وقوة عمل أساسية في كل إقلاع اقتصادي، غير أن سوء استغلالها والاستهانة بها وفتح باب الاغتراب في وجه أدمغتها وخبراتها، له انعكاسات خطيرة على واقع ومستقبل هذه الأمة.
- فما هي خصائص الساكنة النشيطة في العالم العربي؟
- وما هي العوامل المفسرة لهذه الخصائص؟
- وبماذا يتميز واقع الشغل والتشغيل بالعالم العربي؟
- وما هي أهمية العمالة الأجنبية في دول الخليج؟
- وما هي آثار الاعتماد عليها وطرق الحد منها؟
I – خصائص الساكنة النشيطة في العالم العربي والعوامل المفسرة لها:
1 – خصائص الساكنة النشيطة بالعالم العربي:
يتميز سكان العالم العربي بالفتوة الشيء الذي انعكس ايجابيا على نسبة الساكنة في سن النشاط التي تناهز 57% من مجموع السكان (176.7 مليون نسمة من مجموع 310 مليون نسمة) سنة 2002م،علما أن هذه النسبة تختلف من قطر لآخر، كما أنها حققت تطورا مهما خلال الفترة ما بين 1975م – 2002م، ويمكن تصنيف البلدان العربية حسب معدل الساكنة النشيطة إلى ثلاثة أصناف:
- بلدان ذات معدل مرتفع يفوق 70% (الكويت، الإمارات، قطر).
- بلدان ذات معدل ما بين 60% و70% (البحرين، تونس، ليبيا، المغرب، مصر، الجزائر).
- بلدان ذات معدل يقل عن 60% (السعودية، الأردن، سوريا، السودان، عمان، موريتانيا، جيبوتي، فلسطين، اليمن، الصومال).
2 – العوامل المفسرة لخصائص الساكنة النشيطة بالعالم العربي:
يمكن تفسير الوضع الخاص بالساكنة النشيطة داخل الوطن العربي وتطورها الملحوظ بعوامل منها:
- كون نسبة النمو الطبيعي وعدد السكان لا زالت مرتفعة مقارنة بالدول المتقدمة، حيث تتراوح في مجملها بين 2% وأكثر من 3% مع اختلافات طفيفة بين أقطاره، الشيء الذي ساهم في تزايد الساكنة العربية بشكل مطرد وواضح، حيث انتقلت في ظرف سبع سنوات من 260.8 مليون نسمة سنة 1987م إلى 306.4 مليون نسمة سنة 2004م، كما ساهم في توسع وتزايد نسبة الساكنة النشيطة بشكل كبير.
- ارتفاع معدل السكان النشيطين بدول الخليج مقارنة بمعظم الدول العربية بسبب تشجيع الهجرة نحو هذه البلدان التي تتوفر على ثروات نفطية تحقق لها مداخيل ضخمة، لكن رغم التحولات التي أحدثتها هذه الثروة في بنية المجتمع وديموغرافيته، إلا أنها تبقى في حاجة ماسة لليد العاملة والخبرة مما يدفعها لاستقدامها من الخارج.
II – واقع الشغل والتشغيل بالعلم العربي:
1 – خصائص القوى العاملة في البلدان العربية والعوامل المتحكمة فيها:
أ - الخصائص القوى العاملة في البلدان العربية:
- ضعف نسبة القوى العاملة حيث لا تتعدى 37.4%، بينما تصل في الدول السائرة في طريق النمو 47%، وفي البلدان المتقدمة 49 %.
- ضعف نسبة القوى العاملة (37.4%) مقارنة بنسبة الساكنة النشيطة (57 %) مرتبط بعدة عوامل في مقدمتها أزمة البطالة وتدني فرص الشغل.
- تباين توزيع قوة العمل بالوطن العربي حسب القطاعات، حيث نلاحظ تركزا بقطاع الخدمات (53%) على حساب الفلاحة (29.5% ) وخاصة الصناعة التي ما زالت نسبتها ضعيفة (17.5%).
- معظم القوى العاملة من الفئات الشابة وتنمو بوثيرة سنوية سريعة (3.2%)، غير أنها ذات مستوى تعليمي متواضع (غلبة الأمية)، كما تتميز بضعف مشاركة المرأة.
- وجود تباين بين دول عربية مستقبلة لليد العاملة (ليبيا، دول الخليج)، وأخرى مصدرة لها (باقي الدول العربية).
ب – العوامل المفسرة لخصائص القوى العاملة:
يرتبط انخفاض نسبة القوى العاملة ب:
- تدني نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة (30%).
- انخراط الشباب في التعليم الشيء الذي يؤخر انضمامهم لسوق الشغل.
- البنية السكانية الفتية حيث أن 38% دون سن 15 سنة، وهي أعلي نسبة في العالم.
يرتبط ضعف مشاركة المرأة في القوى العاملة ب:
- العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحد من مساهمة المرأة في الأنشطة ذات الطابع العصري.
- تدني المستوى التعليمي لدى النساء.
- الزواج المبكر للنساء يعيقهن عن متابعة التعليم ومواصلة العمل.
- إعطاء الأولوية للرجال في سوق الشغل يؤدي إلى إقصاء المرأة.
2 – واقع البطالة في العالم العربي وأسبابه:
أ - خصائص البطالة في العالم العربي:
تبلغ نسبة البطالة بالعالم العربي حوالي 15% من القوى العاملة، أي حوالي 18 مليون عاطل معظمهم من الشباب، كما ترتفع البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا مما جعلهم يقبلون العمل خارج تخصصاتهم، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة المقنعة، كما يلاحظ ارتفاع معدلات البطالة في صفوف النساء مقارنة بالرجال.
ب – العوامل المفسرة لارتفاع نسبة البطالة:
عوامل ديموغرافية:
- النمو المرتفع ← تزايد الطلب على الشغل.
- استمرار تدفق العمال الأجانب في دول الخليج.
عوامل اقتصادية:
- ضعف الاستثمار المنتج ← قلة فرص الشغل.
- فشل خطط التنمية ← قلة فرص الشغل.
- الخوصصة ← تسريح العمال.
- العولمة والانفتاح← إفلاس الشركات وتسريح العمال.
عواما اجتماعية:
- ارتفاع نسبة الأمية والانقطاع عن الدراسة ← الالتحاق المبكر بسوق الشغل.
- عدم ملائمة أنظمة التعليم للحاجيات الحقيقية لسوق الشغل.
III – العمالة الأجنبية بالعالم العربي:
1 – أهمية العمالة الأجنبية بالعالم العربي:
بلغ عدد العمال الأجانب بدول الخليج سنة 2000م حوالي 9.5 مليون عامل، وتأتي في صدارة هذه الدول المملكة العربية السعودية بنسبة 52.6% من مجموع العمال الأجانب، تليها الإمارات بنسبة 23%، وتتباين نسبة العمالة الأجنبية من مجموع قوة العمل بين دول الخليج: الإمارات 88%، قطر 86%، الكويت 80%، البحرين 65%، عمان 60%، والسعودية 55%.
2 – أسباب اعتماد البلدان العربية على العمالة الأجنبية:
- أهمية عائدات المحروقات بعد أزمة النفط سنة 1973م جعلت الدول الخليجية تضع مشروعات للبنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، لكن أمام قلة السكان اضطرت إلى استيراد العمالة الأجنبية (عربية وأسيوية).
- تكاثر اليد العاملة الأجنبية الأسيوية في السنوات الأخيرة بدول الخليج بسبب ما يعرف بتعاقدات “المفتاح في اليد” التي تقوم بها الشركات صاحبة المشاريع.
- اعتماد دول الخليج بشكل كبير على استقدام العمالة الأجنبية الأسيوية يرتبط برخصها وإتقانها للعمل وعدم إثارتها للمشاكل، حيث إن الواقع يبين أن 70% منها عمالة خدمات و18% عمالة فنية و15% عمالة نادرة، وهذه الأخيرة هي التي تحتاجها الدول الخليجية، أما 85% المتبقية فيمكن تعويضها بعمالة عربية.
3 – الآثار المترتبة عن العمالة الأجنبية والجهود المبذولة لتوطين العمالة:
تتلخص آثار استخدام اليد العاملة الأجنبية في النقط التالية:
- ديموغرافيا: الأجانب أكثر عددا من المواطنين، كما أن الذكور أكثر عددا من الإناث.
- اقتصاديا: مساهمة هؤلاء العمال في التنمية الاقتصادية، في المقابل فدول الخليج تفقد العملات الصعبة بسبب تحويلات للعمال.
- اجتماعيا: تفاقم أزمة السكن بالنسبة للعمال الأجانب، وتزايد احتجاجاتهم للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية.
- ثقافيا: تراجع استعمال اللغة العربية وتنامي تقاليد استهلاكية أجنبية.
وللحد من الآثار السلبية للعمالة الأجنبية، اتخذت دول الخليج العربي بعض الإجراءات، منها:
- إعطاء الأولوية لمواطنيها في التوظيف والتشغيل.
- التشدد في تطبيق قوانين الهجرة والعمل.
- فرض رسوم على العمال الأجانب.
- تحديث برامج التعليم والتكوين.
خاتمة:
تشترك البلدان العربية في مجموعة من الخصائص البشرية، غير أنها تصنف إلى نوعين، هما: دول الخليج العربي وليبيا التي تستورد اليد العاملة، وباقي الدول العربية التي تصدرها.