درس الثورة الروسية وأزمات الديمقراطيات الليبرالية للسنة الثانية باكالوريا علوم

تمهيد إشكالي:

بحلول الحرب العالمية الأولى ومشاركة روسيا إلى جانب دول الوفاق انهار الحكم القيصري المتأزم 1917م، وتمكن الحزب البلشفي من الاستيلاء على السلطة وتكوين الاتحاد السوفياتي وبناء أول مجتمع اشتراكي في العالم، كما كان للحرب آثار سلبية على الديمقراطيات الليبرالية كفرنسا وايطاليا.

  • فما هي دوافع اندلاع الثورة الروسية ومراحلها؟
  • وكيف تم بناء وترسيخ النظام الاشتراكي؟
  • وما طبيعة الأزمات التي عاشتها الأنظمة الديمقراطية؟

І – السياق التاريخي للثورة الروسية ومراحلها:

1 – السياق التاريخي للثورة الروسية:

ساهمت مجموعة من العوامل في اندلاع الثورة الروسية:

  • عوامل سياسية: رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تشهدها روسيا فإن القيصر ظل متشبتا بمؤسساته التقليدية التي كانت تقوم على الحكم الفردي الاستبدادي (اتوقراطية الحكم)، وسيطرته على جميع السلط، واعتماده على ارستقراطية النبلاء التي كانت تسيطر على الإدارة والجيش والكنيسة، ونهجه سياسة القمع ضد الموجيك والعمال.
  • تصاعد المعارضة ضد القيصر: على إثر قيام القيصر بحل مجلس الدوما Douma تصاعدت حدة المعارضة السياسية، وكذا موجة من الاستياء ضد النظام، فوجدت الحركات النقابية والتنظيمات السياسية جوا ملائما لتأطير المعارضين وتحريضهم ضد النظام القيصري، ومن الأحزاب التي تولت هذه المهمة، الحزب الاشتراكي الثوري: شكل أقوى معارضة في البوادي، كان هدفه الإطاحة بالقيصر وتحقيق اشتراكية فلاحية، ويرفض تصنيع البلاد لكنه فشل في ذلك. والحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي: شكل أكثر الأحزاب المعارضة حيوية وتنظيما إلا أنه انقسم إلى تيارين (حزب المناشفة (Mencheviks) الأقلية: وهو حزب اشتراكي يرى إقامة نظام اشتراكي تدريجيا عبر ثورة ديمقراطية بتحالف مع البورجوازية، وحزب البلاشفة (Bolcheviks) الأغلبية: وهو حزب ثوري يرى إقامة نظام اشتراكي باستيلاء الطبقة العاملة بالقوة على السلطة بتحالف مع الفلاحين والبرجوازية الصغرى).
  • دور الحرب العالمية الأولى: دخلت روسيا الحرب إلى جانب دول الوفاق دون استعداد مسبق فامتصت هذه الحرب موارد البلاد، أما الجيش فأصبح يتراجع أمام الضربات الألمانية.
  • عوامل اقتصادية واجتماعية: في البوادي كانت الفلاحة عماد الاقتصاد الروسي، وقد عرفت تحولات بإلغاء القيصر الكسندر الثاني (1855 – 1881) نظام القنانة سنة 1861م، وبيع بعض الأراضي للجماعات القروية قصد الانتفاع بها دون أن يكون لها الحق في البيع أو التفويت في إطار نظام المير Mir (المشاعيات)، غير أن تدهور وضعية البوادي واستمرار انتفاضات الفلاحين جعل الدولة تلغي نظام المير، وسمحت سنة 1906م ببيع الأراضي للنبلاء، وأدى إلغاء نظام المير إلى هجرة عدد هام من الفلاحين الفقراء (الموجيك) إلى المدن. أما في في المدن فقد عرفت الصناعة خلال القرن 19م تطورا بفضل تشجيع الدولة (استخلاص الضرائب من الفلاحين، مد السكك الحديدية …)، وهجرة سكان البوادي إلى المدن، والانفتاح على الاستثمارات والقروض الأجنبية، وبرزت مدن صناعية كبرى، الشيء الذي أدى إلى ظهور فئة عاملة محدودة العدد (3 مليون سنة 1913م) لكن مطالبها من أجل تحسين وضعيتها الاجتماعية كانت كثيرة.

2 – مراحل الثورة الروسية:

  • ثورة فبراير وسقوط النظام القيصري: انطلقت الثورة بتظاهر نساء بتروغراد خلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بسبب ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية، وسرعان ما انضم إليها العمال والجنود، فاضطر القيصر «نكولا الثاني» إلى التنازل عن الحكم، فسارعت مختلف فصائل الاشتراكيين إلى تشكيل سوفييتات (المجالس الثورية) في مناطق عديدة من البلاد، واتجه نواب الدوما إلى تكوين حكومة مؤقتة أيدت مواصلة الحرب إلى جانب دول الوفاق وأجلت حل المشاكل حتى نهايتها.
  • ثورة أكتوبر والإطاحة بالحكومة المؤقتة: تسبب عجز الحكومة المؤقتة في تحقيق المطالب المستعجلة للفئات المتضررة، وإصرارها على مواصلة الحرب في الشعور بخيبة أمل كبيرة وسط الجنود والعمال والفلاحين، فعارض البلاشفة الحكومة المؤقتة رافعين شعار «السلام حالا والأراضي للفالحين والمصانع للعمال وكل السلطة للسوفييتات»، وهكذا نظم البلاشفة ليلة 25 أكتوبر 1917م انقلابا أطاح بالحكومة المؤقتة واستولوا على الحكم وشكلوا حكومة بلشفية ومجلس مفوضي الشعب.

II – خطوات إرساء وترسيخ النظام الاشتراكي في روسيا بعد الثورة:

1 – خطوات وصعوبات إرساء النظام الاشتراكي السوفياتي في عهد لينين (1917 – 1924م):

مباشرة بعد تولي البلاشفة السلطة أصدروا مجموعة من المراسيم:

  • إيقاف الحرب وإعلان الهدنة مع دول التحالف معاهدة «بريست لتوفسك».
  • إلغاء الملكية الفردية التي كانت في حوزة النبلاء والكنيسة.
  • تأميم الصناعة والتجارة والخدمات.
  • إلغاء الديون التي كانت في ذمة النظام القيصري.
  • مساواة شعوب روسيا وسيادتها وحقها في تقرير مصيرها بنفسها.

وقد أدى إصدار البلاشفة للمراسيم ردود فعل داخلية وأخرى خارجية مما جعل لينين يتخذ خطط جديدة:

  • شيوعية الحرب: طبق «لينين» خلال الحرب الأهلية سياسة شيوعية الحرب (1918 – 1921م)، بتأميم التجارة الداخلية والخارجية، ووسائل النقل، وفرض نظام الأجور المتساوية، ومصادرة فائض الإنتاج الفلاحي من الكولاك (كبار ملاكي الأراضي الفلاحية) لضمان تموين المدن والجيش الأحمر بالمواد الغدائية، وإقرار نظام الحزب الوحيد (الحزب الشيوعي)، والقضاء على جميع الأحزاب الأخرى.
  • السياسة الاقتصادية الجديدة NEP: قام «لينين» بنهج السياسة الاقتصادية الجديدة ابتداء من 1921م، والتي مثلت تراجعا عن تطبيق الاشتراكية بتشجيع المبادرة الفردية والرجوع لنظام الحوافز المادية والعمل المأجور والانفتاح على الرسامبل الأجنبية والتراجع عن مصادرة فائض الإنتاج الفلاحي وتعويضه بضرائب عينية والسماح للفلاحين ببيع منتجاتهم في السوق الداخلية.

2 – ترسيخ النظام الاشتراكي في عهد ستالين:

بعد وفاة «لينين» سنة 1924م برزت خلافات حادة حول السياسة الاقتصادية الجديدة «النيب» والمبادئ التنظيمية وكيفية البناء الاشتراكي، وتبلورت هذه الخلافات في انقسام أعضاء الحزب الشيوعي إلى جناحين، هما: جناح «ستالين» الذي اعتبر «النيب» مرحلة انتقالية وضرورية، ودعا إلى ترسيخ الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي قبل التفكير في تصديرها إلى الخارج (الثورة على مراحل)، أما جناح «تروتسكي» فدعا إلى التخلي عنها والعمل على تطبيق الاشتراكية الحقة في الداخل وتصديرها في نفس الوقت إلى الخارج (الثورة الدائمة)، وقد تمكن «ستالين» من فرض آرائه بعد القضاء على معارضيه وخاصة «تروسكي» (الذي نادى بتصدير الثورة خارج روسيا وتطبيق الاشتراكية) مستخدما الاعتقال والنفي والاغتيال، وبعد ذلك شرع في تطبيق سياسة المخططات الاقتصادية عن طريق التصاميم الخماسية:

  • التصميم الخماسي الأول: وضع أسس الصناعة الثقيلة وتشجيع المردودية وتأميم التجارة الداخلية والحد من نفوذ الكولاك بتوسيع أراضي الدولة (السوفخوزات Sovkhoze)، وإدخال النظام التعاوني في الفلاحة (الكولخوزات Kolkhozes).
  • التصميم الخماسي الثاني: تطوير الصناعة الثقيلة وتعميم النظام التعاوني في الفلاحة والقضاء النهائي على الكولاك والاهتمام بالإنتاج الصناعي الاستهلاكي، لكنه تعثر شيئا ما بسبب ضرورة تحويل بعض المعامل للإنتاج الحربي.
  • التصميم الخماسي الثالث: تطوير الصناعات المتخصصة ومكننة الفلاحة لكنه تحول بسرعة إلى الانتاج الحربي نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية.
  • التصميم الخماسي الرابع: الاهتمام بإعادة بناء القاعدة الصناعية التي أصابتها الحرب وجميع الكولخوزات ومراقبتها من أجل تحسين المردودية.
  • التصميم الخماسي الخامس: مواصلة تطوير الصناعة الثقيلة مع الاهتمام بتنمية المراكز الصناعية الجديدة الواقعة بالأورال وكزخستان والكوزباس، ومحاولة الزيادة في إنتاج المواد الاستهلاكية للرفع من المستوى المعيشي للسكان.
  • نتائج سياسة التخطيط: ترتب عن سياسة المخططات الاقتصادية تطورا مهما في المجال الاقتصادي، تمثل في: بناء السدود، وتشييد مدن صناعية تستقطب صناعات متطورة، وتطور الإنتاج الزراعي عن طريق توسيع المجالات المزروعة، وارتفاع نسبة سكان المدن. كما كان لهذه المخططات سلبيات، تجلت في: رفض الفلاحين التسجيل والانخراط في نظام الكولخوزات، وتقييد حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير وإبداء الرأي، والامتثال والخضوع للقرارات الرسمية.

III – أزمات الديمقراطيات الغربية مع ذكر بعض النماذج:

1 – تشخيص أزمات الديمقراطيات الغربية:

لقد مست أزمة الديمقراطيات الليبرالية مختلف المجالات:

  • سياسيا: عدم استقرار الحكومات، واضطراب سير المؤسسات، وتصاعد ظاهرة العنف السياسي، وبروز أحزاب يمينية متطرفة ويسارية ثورية.
  • اقتصاديا: تفاقم الأوضاع النقدية، وظاهرة التضخم، وانخفاض حجم الإنتاج، وإفلاس المؤسسات البنكية، وركود المبادلات التجارية.
  • اجتماعيا: ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وانتشار البطالة، وتصاعد موجة الإضرابات العمالية.

كل هذه المظاهر الكبرى لأزمات الديمقراطيات الغربية أدت إلى زعزعة الأنظمة بأوربا الغربية.

2 – الاشتغال على بعض النماذج:

2 – 1 – مظاهر الأزمة بفرنسا:

تجلت مظاهر الأزمة السياسية بفرنسا خلال القرن 20م فيما يلي:

  • أزمة المؤسسات التنفيذية: تتمثل في تشكيل حكومات ائتلافية وضعيفة عاجزة عن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
  • أزمة المؤسسات التشريعية: تتمثل في العجز عن تشكيل أغلبية برلمانية متجانسة بفعل توزع أصوات الناخبين على جميع الأحزاب، وتكوين تحالفات برلمانية مؤقتة كتحالف الحزب الشيوعي مع الفرع الفرنسي للأممية العمالية المساندة للثورة الروسية، وانفصال الفرع الفرنسي للأممية العمالية عن الحزب الشيوعي واتحاده مع الراديكاليين لتأسيس اتحاد اليسار، وتشكيل الكتلة الوطنية سنة 1919م، وقد نتج عن هذه الأزمات فقدان الثقة في النظام الديمقراطي وتنامي العداء للبرلماني وتصاعد مظاهر العنف السياسي وتحميل الرأي العام مسؤولية الأزمة للمؤسسات والأحزاب، كما ظهرت جماعات متطرفة استقطبت الغاضبين وضحايا الأزمة (جماعة الصليب، حركة فرنسا)

2 – 2 – مظاهر الأزمة بإيطاليا:

إن شبه الجزيرة الإيطالية عرفت بدورها مجموعة من الأزمات:

  • الانهيار الاقتصادي.
  • إفلاس المؤسسات الإنتاجية وتزايد عدد العاطلين عن العمل.
  • تراجع القدرة الشرائية للمواطن.
  • ظهور حركات احتجاجية عمالية واسعة استهدفت احتلال المصانع في المدن الشمالية.
  • توزيع الفلاحين في البوادي لأراضي كبار المالكين.
  • كما شهدت ايطاليا تطورات وصراعات حتى وصول الحزب الفاشي بزعامة موسوليني إلى الحكم 1922م وفي 1925م تأسست الدولة الإيطالية الفاشية بمبادئ ديكتاتورية تحت شعار”القائد الوحيد، الحزب الوحيد، الوطن الوحيد.

خاتمة:

تعتبر الثورة الروسية حدثا تاريخيا وسياسيا تحكمت فيه مجموعة من العوامل ومرت عبر مراحل انتهت بتأسيس الاتحاد السوفياتي موطن النظام الاشتراكي، وهي الفترة التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى وأزمات الديمقراطيات الغربية.

مصطلحات ومفاهيم

  • مجلس الدوما: تأسس لأول مرة سنة 1905م، لم يكن يتمتع بسلطة تشريعية حقيقية بل ظل يلعب دورا استشاريا فقط ضمن نظام يضمن الأغلبية لأصحاب الأرض.
  • الكولاك: هم كبار الملاكين يتشكلون من النبلاء وكبار رجال الدين.
  • الموجيك: هم الفلاحون الفقراء (الكادحون).
  • البلاشفة: لفظة روسية تعني الأغلبية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة لنين.
  • المناشفة: لفظة روسية تعني الأقلية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة مارطوف.
  • حكومة بورجوازية مؤقتة: هي السلطة التنفيذية التي تكونت في أعقاب ثورة فبراير 1917م.
  • شيوعية الحرب: سياسة لجأ إليها لنين ما بين 1919 – 1921م، تميزت بصرامتها من قبل تأميم المعامل الصغيرة ومصادرة فائض الإنتاج الزراعي لتموين المدن والجيش الأحمر.
  • الجيش الأبيض: تمثل الحركة المضادة للثورة البلشفية ضمت كل من الفئات المتضررة من إجراءات البلاشفة مستفيدة من الدعم المالي والعسكري للدول الأوربية.
  • الجيش الأحمر: جيش الثورة البلشفية تشكل بقيادة تروتسكي لتنظيم الدفاع عن النظام الجديد، وهو مكون من 5 ملايين من العمال والفلاحين.
  • البرافدا: الجريد الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم (حزب البلاشفة بقيادة لنين).
  • الانتلجنسيا: هي شرطة سرية أنشأها البلاشفة لمراقبة الأشخاص والأفكار.
  • المير: نظام المشاعيات يقوم على أساس ملكية الجماعات القروية للأراضي قصد الانتفاع بها دون أن يكون لها الحق في بيعها وشرائها.
  • أطروحات أبريل: مجموعة من المبادئ التي صاغها لنين في أعقاب ثورة فبراير 1917م، تقدم برنامج الحزب البلشفي للإطاحة بالحكومة المؤقتة.
  • السوفخوزات: هي أراضي في ملكية الدولة يشرف على تسييرها متخرجون من معاهد زراعية، ويشتغل فيها عمال يتقاضون أجورا حسب طبيعة عملهم.
  • الكولخوزات: هي أراضي جماعية تمثل النموذج الكامل للتعاونية الاشتراكية التي تجعل من الأرض ووسائل الإنتاج والعمل رهن الجميع.
  • كرنسكي: هو ألكسندر فردوفتش، عضو بارز في الحزب الاشتراكي الثوري، وتبنى مبدأ الاستمرار في الحرب إلى جانب دول الوفاق.
  • السوفييتات: هي لجنة تمثيلية تنوب عن الجنود والعمال والفلاحين.
  • لنين: هو فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـلينين، اشتغل بالمحاماة وتبنى الفكر الماركسي، نفي إلى سبيريا (شرق روسيا)، وتزعم البلاشفة وقاد ثورة أكتوبر 1917م.
  • ستالين: ولد بمنطقة جورجيا، انخرط في الخلايا السرية ونفي إلى سبيريا وشغل منصب رئيس تحرير جريدة البرافدا، وعين كاتبا عاما للحزب الشيوعي سنة 1922م.
  • نكولا الثاني: آخر قيصر من عائلة رومانوف حكم روسيا ما بين 1894 – 1917م.

 

رابط التحميل من موقع البستان

هل لديك تعليق؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *