يقول الشوكاني رحمه الله تعالى: “وإذا ثبت أنّ المعتبَر في الأحكام الشرعية الأدلةُ الظنيةُ فقد تتعارض في الظاهر بحسب جلائها وخفائها، فوجب الترجيح بَيْنَهُمَا والعمل بالأقوى”.
«إذا تعارض النصان ظاهراً وجب البحث والاجتهاد في الجمع والتوفيق بينهما بطريق صحيح من طرق الجمع والتوفيق، فإن لم يمكن وجب البحث والاجتهاد في ترجيح أحدهما بطريق من طرق الترجيح، فإن لم يمكن هذا ولا ذاك وعلم تاريخ ورودهما كان اللاحق منهما ناسخاً للسابق، وإن لم يعلم تاريخ ورودهما توقف عن العمل بهما، وإذا تعارض قياسان أو دليلان من غير النصوص ولم يمكن ترجيح احدهما، عدل عن الاستدلال بهما».
التعارض بين الأمرين معناه في اللغة العربية: اعتراض كل واحد منها الآخر، والتعارض بين الدليلين الشرعيين معناه في اصطلاح الأصوليين: اقتضاء كل واحد منهما في وقت واحد حكماً في الواقعة يخالف ما يقتضيه الدليل الآخر فيها، مثلاً: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾، هذا النص يقتضي بعمومه أن كل من توفى عنها زوجها تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء أكانت حاملاً أم غير حامل، وقوله تعالى فيب سورة الطلاق: ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، هذا النص يقتضي بعمومه أن كل حامل تنقضي عدتها بوضع حملها، سواء كانت متوفى عنها زوجها أم مطلقة، فمن توفى عنها زوجها وهي حامل، واقعة يقتضي النص الأول أن تنقضي عدتها بتربص أربعة أشهر وعشرة أيام، ويقتضي النص الثاني أن تنقضي عدتها بوضع حملها، فالنصان متعارضان في هذه الواقعة.
لا يتحقق التعارض بين دليلين شرعيين إلا إذا كانا في قوة واحدة، أما إذا كان أحد الدليلين أقوى من الآخر، فإنه يتبع الحكم الذي يقتضيه الدليل الأقوى ولا يتلف لخلافه الذي يقتضيه الدليل الآخر، وعلى هذا يتحقق التعارض بين نص قطعي وبين نص ظني، ولا يتحقق التعارض بين نص وبين إجماع أو قياس، ولا بين إجماع وبين قياس، ويمكن بين آيتين أو حدثين متواترين أو بين آية وحديث متواتر، أو حديثين غير متواترين أو بين قياسين.
ومما ينبغي التنبيه له: أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح، وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص فإنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا، وليس بتعارض حقيقي، لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه نفسه دليل آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكماً خلافة في الوقت الواحد، فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر، والوقوف على حقيقة المراد منهما تنزيهاً للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه، ولقد وضع علماء الأصول طرقا لدفع هذا التعارض ظاهريا وهي: