مقدمة:
عرفت أوربا عدة تطورات سياسية نتيجة انتشار أفكار الثورة الفرنسية، والتي عمل نابليون بونابرت على نشرها كمبادئ القومية والليبرالية.
- فما هي أهم التطورات السياسية الكبرى التي عرفتها أوربا خلال القرن 19م؟
- وما العوامل التي ساهمت في بلورتها؟
- وما دور التحولات السياسية في تدعيم النظام الرأسمالي بأوربا خلال القرن 19م؟
І – الوضعية السياسية لأوربا بعد مؤتمر فيينا:
1 – ظروف انعقاد المؤتمر وأهم مقرراته:
1 – 1 – الظروف الممهدة لمؤتمر فيينا:
في الفترة الممتدة ما بين 1799 – 1814م، توسعت فرنسا بقيادة نابليون بونابرت على حساب الدول الأوربية المجاورة، فتحالفت عسكريا كل من الإمبراطورية النمساوية المجرية وبريطانيا وروسيا القيصرية وبروسيا ضد فرنسا، مما أدى إلى انهزامها، وتمت بذلك الإطاحة بحكم نابليون.
1 – 2 – قرارات مؤتمر فيينا:
انعقد مؤتمر فيينا وجمع الدول المنتصرة لإعادة ترتيب أوضاع القارة الأوربية، ودعم الأنظمة المحافظة بها ما بين شتنبر 1814م وإلى غاية يونيو 1815م، حيث اجتمع ملوك أوربا ومعهم عشرات الوزراء والدبلوماسيين بفيينا، بهدف إحقاق السلم داخل أوربا بعد الاضطرابات التي خلفتها الثورة الفرنسية والحروب النابوليونية، وقد هيمنت القوى الكبرى (بروسيا، روسيا، النمسا، بريطانيا) على أشغال المؤتمر بقيادة المستشار النمساوي «مترنيخ»، وكرست مقرراته المبادئ الآتية:
- إعادة الشرعية: إعادة الأنظمة التقليدية التي كانت سائدة قبل الثورة الفرنسية.
- التوازن الأوربي: إعادة فرنسا إلى حدودها الدولية مقابل توسع الدول المنتصرة عليها.
- التحالف المحافظ أو الحلف المقدس: وتألف من أربع دول، هي: روسيا، وبروسيا، والنمسا، وفرنسا.
وهناك مقررات عامة كإلغاء الرق والاتفاق على طريقة استغلال الأنهار الدولية.
2 – ردود الفعل المباشرة إزاء مقررات المؤتمر:
أثارت مقررات مؤتمر فيينا ردود فعل قوية من طرف الشعوب الأوربية، حيث اندلعت عدة ثورات مستلهمة مبادئ وشعارات وأفكار الثورة الفرنسية هدفها إسقاط مقررات هذا المؤتمر، وقد شمل المد الثوري دولا مختلفة:
- ألمانيا: ظهور حركة طلابية تطالب بالدستور ولها أهداف قومية، قمعت من طرف مترنيخ بمساعدة “الدييت”.
- اسبانيا: انتفاضة الجيش ومطالبته بالدستور، تم قمعها من طرف الجيش الفرنسي.
- إيطاليا: انتفاضة جمعية الكاربوناري ضد النظام القديم وضد الاحتلال النمساوي، تم قمعها من طرف الجيش النمساوي.
- اليونان: ثورة قومية تحريرية ضد النظام العثماني ساندتها فرنسا وبروسيا وبريطانيا توجت بالحصول على الاستقلال.
- فرنسا: ثورة بورجوازية ليبرالية ضد الملك شارل العاشر الذي انحاز للمحافظين، هذه الثورة أجهضت بعد تحالف البورجوازية الكبرى مع الملك لويس فليب.
- بلجيكا: ثورة قومية تحريرية ضد الهيمنة الهولندية انتهت باستقلال وحياد بلجيكا.
- بولونيا: ثورة قومية تحريرية ضد الهيمنة الروسية انتهت بقمعها على يد الجيش القيصري.
II – التطورات السياسية التي عرفتها أوربا ما بين 1830-1848م:
1 – ثورات 1830م:
- الثورة الباريسية (يوليوز 1830): كان هدفها إسقاط النظام الملكي والذي قضى مؤتمر فيينا بعودته، وانتهت الثورة بنجاح الجمهوريين وإعلان الجمهورية وتسليم الحكومة للدوق «أورليان».
- الثورة البلجيكية: أصبحت بلجيكا تحت الاحتلال الهولندي بموجب مقررات المؤتمر، الأمر الذي رفضه القوميون البلجيكيون، فأعلنوا ثورة انتهت بنجاحهم وإعلان استقلال بلجيكا سنة 1831م.
- الثورة الإيطالية: نادى الثوار بتوحيد بلادهم إلا أن تدخل «مترنيخ» فأنهى ثورتهم.
2 – ثورات 1848م:
- فرنسا: أدت الأزمة الاقتصادية ورفض الحكومة لإصلاح نظام الانتخابات إلى صراع سياسي بين الأحزاب، فتم إسقاط حكم «لويس فليب» وإعلان الجمهورية سنة 1851م.
- إيطاليا: أعلنت الجمهورية في روما، وتم طرد القوات النمساوية من المدن التي كانت تحتلها والتي طبقت بها دساتير محلية، إلا أن النمسا قمعت هذه الثورات، كما تدخلت فرنسا لإعادة البابا لروما.
- ألمانيا: كانت للثورة مطالب قومية (توحيد البلاد)، لكنها فشلت بسبب رفض ملك بروسيا الانضمام إليها خوفا من الاصطدام مع النمسا وروسيا.
- النمسا: قامت الثورة كرد فعل على استبداد «ميترنيخ» ومتأثرة بالثورة في باريس، وحققت بعض المكاسب لكنها قمعت بشدة.
III – مقومات ومراحل تحقيق الوحدتين الإيطالية والألمانية خلال النصف الثاني من القرن 19م:
1 – قامت الوحدة الإيطالية على عدة أسس وتحققت عبر مراحل:
- سياقها التاريخي: ظلت إيطاليا إلى حدود منتصف ق 19م تعيش انقسامات سياسية بالرغم من عناصر الوحدة التي تجمع شعوبها (الحدود الطبيعية واللغة والدين والتقاليد وماضيها العريق …)، وظلت البلاد مجزأة إلى عدة إمارات بعضها خاضع للاحتلال النمساوي والبعض الأخر للاحتلال الجرماني، وكانت «البيمونت ساردينيا» أهم قوة اقتصادية وعسكرية بالبلاد، التي قاد وزيرها الأول «كافور» مشروع الوحدة الإيطالية.
- وسائل تحقيق الوحدة الايطالية: اعتمد «كافور» في تحقيق الوحدة الايطالية على التحالف مع فرنسا وبروسيا ضد النمسا، وعلى الاستفتاءات والانتفاضات الشعبية المؤيدة للوحدة، وعلى حملة القائد العسكري «غاريبالدي».
- مراحل تحقيق الوحدة الايطالية: تحققت الوحدة الإيطالية عبر مراحل امتدت بين سنتي 1859- 1870م، حيث تم ضم منطقة لومبارديا وفينيسا وإمارات الشمال ومملكة الصقليتين وأخيرا منطقة روما.
2 – أسس ومراحل تحقيق الوحدة الألمانية:
- سياقها التاريخي: كانت ألمانيا إلى حدود منتصف ق 19م منقسمة إلى عدة دويلات بعضها كان خاضعا للنفوذ النمساوي، وكانت بروسيا أهم قوة عسكرية واقتصادية، مما مكنها من قيادة الوحدة الألمانية بزعامة وزيرها الأول ومستشارها «بسمارك».
- وسيلة تحقيق الوحدة الألمانية: اتبع «بسمارك» في تحقيق الوحدة أسلوب «الحديد والدم»، أي الاعتماد على القوة العسكرية وشن مجموعة من الحروب.
- مراحل تحقيق الوحدة الألمانية: خاضت بروسيا عدة معارك ضد الدول المجاورة خرجت منها منتصرة، حيث انتصرت على الدانمرك سنة 1864م وبالتالي ضم منطقتي شالزفيك والهولشتاين، كما انتصرت على النمسا في معركة «سادوفا» سنة 1866م، وبالتالي توحيد الإمارات الألمانية الشمالية، كما انتصرت على فرنسا في معركة «سيدان» سنة 1870-1871م، وبالتالي استكمال الوحدة الألمانية بضم الإمارات الجنوبية وإعلان تأسيس الإمبراطورية الألمانية.
IV – مظاهر تطور الأساليب الديمقراطية لبعض الدول الأوربية خلال القرن 19م:
1 – إقرار الاقتراع العام المباشر:
كانت فرنسا سباقة إلى الأخذ بالاقتراع المباشر، وفي النصف الثاني من القرن 19م ومطلع القرن 20م امتد هذا الأسلوب الديمقراطي إلى معظم دول أوربا الغربية، كما أتاح الاقتراع العام المباشر للمواطنين انتخاب البرلمان الذي يتولى السلطة التشريعية، وانتخاب أعضاء المجالس الجماعية لإدارة الشؤون المحلية والجهوية.
2 – جوانب أخرى لتدعيم الديمقراطية والمواطنة:
مع نهاية القرن 19م، تعززت الديمقراطية والمواطنة بفعل تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والنقابات العمالية وإصدار الجرائد وإقرار حرية الصحافة، في نفس الوقت أصبحت للمدرسة وظيفة تكوين المواطن الصالح وفق مبادئ الديمقراطية.
خاتمة:
آلت أغلب الثورات الليبرالية والقومية التي شهدتها أوربا إلى الفشل، في نفس الوقت تحققت الوحدتان الإيطالية و الألمانية، وتعززت أساليب الديمقراطية والمواطنة، وواكبت ذلك تحولات اقتصادية ومالية.