الأمور بمقاصدها
قاعدة الأمور بمقاصدها ولا ثواب إلا بنية وما يتفرع عن كل قاعدة:
1 – الأمور بمقاصدها:
الأمور: جمع أمر، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ومنه قوله تعالى في سورة هود: ﴿… وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾، أي ما هو عليه من فعل وقول، والكلام على تقدير محذوف مقتضى: أي أحكام الأمور بمقاصد، لأن علم الفقه إنما يبحث على أحكام الأشياء لا عن دواتها والمراد بالقاعدة أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر، أصل القاعدة: قوله ﷺ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، ما يتفرع عنها: هذه القاعدة تجري في كثير من الأبواب الفقهية، مثل: المعاوضات والتمليكات المالية – الإبراء – الوكالات – إحراز المباحات – الضمانات والأمانات.
- ما يتفرع عنها في باب المعاوضات والتمليكات المالية: كالبيع والشراء والإجارة والصلح والهبة )هبة الثواب(، تفيد كلها عند إطلاقها حكمها وهو الأثر المترتب عليها من التمليك والتملك، ولكن إذا اقترن بها ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم كإرادة الزواج فإنه يسلبها إفادة حكمها المذكور، فإنه إذا أريد بها زواجا كانت زواجا، ولو باع إنسان أو اشترى وهو هازل فإنه لا يترتب على عقده تمليك ولا تملك.
- الإبراء: كقول الطالب للكفيل برأت من المال الذي كفلت به، فإنه يرجع إليه في البيان لما قصده من هذا اللفظ، فإن كان قصد براءة القبض والاستفاء منه كان للكفيل أن يرجع المكفول عنه، وإن كان قصد من ذلك براءة الإسقاط فلا رجوع للكفيل عن المكفول عنه.
- الوكالات: لو وكل إنسان غيره بشراء فرس معين فاشترى الوكيل فرسا فإن نوى شراءه للموكل يقع الشراء للموكل، وإن نوى الشراء لنفسه يقع الشراء لنفسه.
- الاحرازات: وهي استملاك الأشياء المباحة فإن النية والقصد شرط في إفادتها للملك، فلو وقع الصيد في شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر: فإن كان نشر الشبكة وحفر الحفرة لأجل الاصطياد بهما فإن الصيد ملكه وليس لأحد أن يأخذه، وإن كان لغير الاصطياد فإنه لا يملكه ولغيره أن يستملكه بالأخذ.
- الضمانات والأمانات: كاللقطة فإن إلتقطها ملتقط بنية حفظها لمالكها كانت أمانة لا تضمن إلا بالتعدي، وإن إلتقطها بنية أخذها لنفسه كان في حكم الغاصب، فيضمن إذا تلفت في يده بأي صورة كان تلفها، والقول للملتقط بيمينه في النية عند الاختلاف.
2 – لا ثواب إلا بنية:
بمعنى ارتباط الثواب بالنية لقوله ﷺ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، وتكون النية في العبادات والمعاملات والخصومات والمباحان والمنهيات والمتروك، وثواب الأعمال نوعان: أخروي مرجو عند الله تعالى، ودنيوي يتعلق بالصحة والفساد، والمقصود في هذه القاعدة الثواب الأخروي، ومن فروعها أنها شرط صحة لجميع العبادات بالإجماع، إلا الإسلام فلو أسلم بغير نية صح، وأما الكفر فيشترط له النية لأن كفر المكره غير صحيح، فلا تصح الزكاة إلا بها وكذا الصوم والحج والعمرة، وشرط صحة الكفارات، ولابد في الجهاد من خلوص النية، وسائر القرب لابد فيها من النية، بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله تعالى، ومن فروعها النية في الزواج، وهو مستحب من حيث الأصل فيحتاج إلى النية لتحصيل الثواب، وقد تعتريه الأحكام الأخرى فيكون الثواب أو عدمه بحسب نية المتزوج، وأما المباحان فإنها تختلف صفتها باعتبار ما قصدت لأجله، فإذا قصد بها التقوى على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة ونال المكلف الثواب الأخروي، وإلا لا ثواب ولا عقاب فتعد من العادات التي تتحول إلى التقرب بالنية فينال عليها الأجر والثواب الأخروي.